للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها أنهم كانوا يبدأون العدو بالقتال في أطراف بلاده التي تلي البادية حتى إذا أصابتهم هزيمة تكون جزيرة العرب من ورائهم فلا يسع جيش العدو تتبع أثرهم واقتحام صحارى بلادهم.

ومنها براعتهم في إقامة خطوط الدفاع على طول البلاد إذا أراد مهاجمتها العدو.

ومنها اليقظة الدائمة لحركات العدو والاستعداد لصد غاراته.

ومنها توهينهم قوة العدو بإشغال جيوشه بالحرب عن أن يمد بعضها بعضاً عند

الحاجة.

هذا وأشباهه من مكائد الحرب التي مرّ ذكرها في غضون أخبار الفتح كما تدل على براعة القواد المسلمين يومئذ، وتفوقهم في أساليب الحرب وأصول القيادة على قواد جيوش الروم والفرس لا سيما الخليفة عمر رضي الله عنه الذي كان مع بعده عن مواقف القتال يصدر أوامره إلى القواد في الأعمال الحربية وكيفية الهجوم والدفاع على وجه يدل على أنه من أعاظم قواد الجيوش في العالم، هذا فضلاً عما كان يوصي به القواد من الرفق وحسن المعاملة مع المغلوبين وعدم التسلط بالإيذاء عليهم وبدوام اليقظة والسهر والرفق بجيوش المسلمين وعدم إلقائهم في المهالك والترتيب في الحرب والتبصر في أمور القتال إلى غير ذلك.

وأما تعبية العرب للجيوش في إبان الفتح الذي مر ذكره في هذا الكتاب فقد بلغ الغاية في الترتيب وحسن النظام والانتظام، ولنذكر لك كيفية تعبيتهم للجيوش في وقائعهم الشهيرة وهي وقعة اليرموك ووقعة القادسية ومنهما تظهر لك مرتبتهم في فنون الحرب ومكانهم من البصيرة في تعبئة الجيوش التي تشبهها من كل الوجوه تعبئة الجيوش في هذا العصر كالطلائع والمجردات (الكشاف) والميمنة والميسرة (الجناحين) والقلب والساقة والردء والمدد والرجل (المشاة) والركبان (الفرسان) وكان الغالب على العرب قبل الإسلام حب المبارزة والمهاجمة عند الالتقاء مع العدو وصاروا في الإسلام يفضلون الزحف صفوفاً (كراديس) لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤)} وكان الأمراء والقواد يتفاوتون في المراتب فمنهم الأمير العام (المشير الآن) ويليه خليفته (الفريق الآن) ويليهما أمراء التعبئة كأمير الميمنة والميسرة والقلب وغيره (وهم الألوية الآن) ويليهم خلفاؤهم (الأمير الآيات الآن) ويليهم أمراء الكراديس (الصفوف) ويليهم العرفاء وأمراء الأعشار (الجاويش والنقباء) ولعلهم رؤساء المائة. وفضلاً عن هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>