للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مائة سنة لخلفائها الكلمة العليا والسيادة التامة على جميع العالم الإِسلامي ما عدا بلاد الأندلس، يقولون: فيسمع لهم ولا يجسر أحد على مخالفتهم والوقوف في وجه جنودهم. وقام في هذا العصر الزاهر الباهر من العباسية ثمانية خلفاء أولهم السفاح، وتوفي سنة ١٣٦هـ وقام بالأمر بعده أخوه أبو جعفر عبد الله المنصور وكانت وفاته سنة ١٥٨هـ وقام بالأمر بعده ابنه محمَّد المهدي وتوفي سنة ١٦٩هـ وقام بالأمر بعده ابنه موسى الهادي وتوفي سنة ١٧٠هـ وقام بالأمر بعده أخوه هارون الرشيد وكان ديناً محافظاً على التكاليف الشرعية يغزو سنة ويحج سنة وهو واسطة عقد المدة العباسية وصلت فيها الخلافة إلى أفخم درجاتها سلطاناً وسطوة وثروة وعلماً وأدباً وكانت وفاته سنة ١٩٣هـ وقام بالأمر بعده ابنه محمَّد الأمين إلى أن قتل في محرم سنة ١٩٨ هـ وقام بالأمر بعده أخوه عبد الله المأمون إلى أن توفي سنة ٢١٨ هـ وقام بالأمر بعده أخوه المعتصم إلى أن توفي سنة ٢٢٧هـ.

قد علم مما مضى أن نظر الخلفاء منسحب على المغرب وظلهم ممتد إليه وهم قادد الأمم الإِسلامية في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة وذلك حينما كان أمر الخلافة ممتداً وحكمها مجتمعاً وكلمتها نافذة في جميع ممالك الإِسلام شرقاً وغرباً بحيث لا يخرج قطر من الأقطار ولا مصر من الأمصار فيما بعد أو دنا من الأرض عن نظر الخليفة الأعظم وقد كان ذلك ديناً متبعاً وحكماً مجتمعاً ولا تصح لأحد إمارة ولا ولاية إلا بإسناد إليه حتى إذا طال العهد وضعف أمر الخلافة وتقلص ذكرها من القاصية تفرقت ممالك الإِسلام البعيدة عن دارها وتوزعها الثوار واستبدوا بها كل بما غلب عليه وصار أمر الوحدة إلى الكثرة وحكم الاجتماع إلى التفرقة وسيتضح لك ما قررناه مما سيأتي في محله إن شاء الله.

[صلة]

قال ولي الدين بن خلدون: هؤلاء الملوك الذين أتوا بعد الخلفاء الراشدين لم يكن مذهبهم في الملك مذهب أهل البطالة والبغي إنما كانوا متحرين مقاصد الحق جهدهم إلا في ضرورة تحملهم على بعضها مثل خشية افتراق الكلمة الذي هو أهم لديهم من كل مقصد يشهد لك ما كانوا عليه من الاتباع والاقتداء وما علم السلف من أحوالهم فقد احتج مالك في الموطأ بفعل عبد الملك بن مروان وكان من الطبقة الأولى من التابعين وعدالتهم معروفة ثم تدرج الأمر في ولد عبد الملك وكانوا من الدين بالمكان الذي كانوا عليه وتوسطهم عمر بن عبد العزيز فنزع إلى طريق الخلفاء الأربع والصحابة بعدهم ثم جاء خلفهم واستعملوا طبيعة الملك في أغراضهم

<<  <  ج: ص:  >  >>