للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما قيمة عظمة الملك عند الملوك والدنيا والحياة انتهى. قلت: عبد الرحمن هذا هو عبد الرحمن الناصر بن محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الرحمن الأوسط بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ولي الملك سنة ٣٠٠ هـ وتوفي سنة ٣٥٦ هـ واتسع الملك بالأندلس في مدته ومن اتساعه أنه بني تجاه قرطبة مدينة سماها الزهراء لسكناه هي من عجائب الدنيا دالة على قدر بانيها وأنفق فيها من الأموال خمسة وسبعين مائة ألف دينار وكان عدد الفتيان بالزهراء ثلاثة عشر ألف فتى وسبعمائة وخمسين فتى لهم من اللحم كل يوم ثلاثة عشر ألف رطل غير أنواع الطير والحوت، وعدد النساء بالقصر ستة آلاف وسبعمائة وثمانون والمرتب على الخبز لحيتان بحيرة الزهراء اثنا عشر ألف خبزة وأما أوصاف هاته المدينة فإنها طويلة. وما أغرب ما يحكى عن الناصر أنه أراد القصد يوماً فقعد في البهو الكبير واستدعى الطبيب لذلك فأخذ الطبيب الآلة وجس يد الناصر فبينما هو كذلك إذ أطل زرزور فصعد على إناء من ذهب وأنشد ذلك الزرزور:

أيها الفاصد رفقاً بأمير المؤمنين ... إنما تفصد عرقاً فيه محيا العالمين

وجعل يكرر ذلك المرة بعد المرة فاستظرف الناصر ذلك وسرّ به غاية السرور ووهب لمعلم الزرزور ثلاثين ألف دينار. ولما أتم بناء الزهراء وبها قبة لجلوسه مزخرفة صنع طعاماً دعا إليه العلماء وجلس في تلك القبة فلما حضر العلماء ومعهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي فلما رأى تلك القبة أنكر عليه ذلك الصنيع فأثر عليه إنكاره فقال له جزاك الله يا قاضي عنا وعن نفسك خيراً وعن الدين والمسلمين أجل جزائه وكثر في الناس أمثالك. وأمر بنقض سقف القبة الذي طلوه بالذهب وأعادها على صفة ليس بها ما ينكر عليه فيه. ومن أخباره أنه أغضب جاريته طروف فهجرته وكان يحبها، فأرسل إليها يترضاها فأبت وأغلقت باب مجلسها فأمرهم بسد الباب عليها من خارجه ففعلوا وبنوا عليها بالبدر. فأقبل حتى وقف بالباب وكلمها مسترضياً راغباً في المراجعة على أن لها جميع ما سد به الباب من البدر فأجابت وفتحت الباب فانهالت البدر ببيتها فأكبت على رجله تقبلها وحازت المال وكانت تبرم الأمور فلا يرد شيئاً تبرمه، وكانت له غزوات كثيرة شهيرة. وقد ذكر أبو العباس أحمد بن عبد ربه في العقد الفريد اثنين وعشرين غزوة من غزواته ونظم كل غزوة منها في منظومة من الرجز، وكان معاصراً له وبذلك طار صيته وانتشر ذكره وأطاعته بنو إدريس أمراء العدوة وملوك زناتة والبربر حتى صار ملكه غاية في الضخامة وعلو الشأن. ولما توفي بويع لابنه الحكم المستنصر بالله فقام بأعباء الملك خير قيام

<<  <  ج: ص:  >  >>