للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابنه أبي بكر يقع تدريس البخاري بجامع الزيتونة رواية ودراية في رجب وشعبان ورمضان إلى السادس والعشرين منه ولما توفي أبو بكر تغيرت تلك القاعدة وصارت رواية لا غير تبركاً لأن ولديه أبا الغيث وأبا الحسن لم يبلغا مبلع والدهما وجدهما، ولما أبعد الشيخ حمودة المذكور عن رمضان باي رجع لأصله وتصدى لإقرائه دراية وغيره من العلوم بالجامع على حين لم يكن به من يقرأه دراية وكان راويه يومئذ الشيخ محمَّد زيتون فاجتمع عليه خلائق لا يحصون وصار له بذلك صيت. ولما رأى مزهود ذلك تغير وأرسل إلى أبي الغيث المذكور إمام جامع الزيتونة ليمنعه من إقراء الحديث بالجامع إذ ربما يؤول به الأمر إلى طلب الإمامة بالجامع فأرسل له أبو الغيث بإبطال درس الحديث وأظهر الغضب منه حيث لم يمتثل لإبطاله بعدم إقامة صلاة العصر بالجامع فلم يمتثل لإبطاله وانتقل لإقرائه بمسجد سوق البلاط فازداد مزهود بذلك بغضه وأغرى به رمضان باي ومنعه من الخروج من داره ولم يكفه ذلك حتى أرسل إليه حرساً هجموا على دار الشيخ وأخرجوه بترويع أمه وأبيه وأهله وبنيه وأوقعوا به ما بلغ به الشهادة ولاقى من الله الحسنى وزيادة. ورمضان باي لا علم له بشيء من ذلك غير أنه لما بلغه الخبر لم ينكر على مزهود ولا عاتبه. وجمع مزهود في تلك الليلة طائفة من الأوباش أصحابه وصنع صنيعاً اجتمعوا فيه على كل فاحشة فرحاً بقتل الشيخ وكان قتله سنة ١١٠٩ هـ من الأهوال العظيمة والمصائب الجسيمة وتأسف عليه والده العالم المشهور والخاصة والجمهور. وقابلوا تلك المصيبة بالصبر والابتهال بالدعاء إلى الكبير المتعال عليه وعلى سيده وتوسل والده في دعائه بسيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام في قصيدة أولها:

إليك رسول الله وجهت آمالي ... وألقيت يا سؤلي ببابك أحمالي

فاستجاب الله دعاءهم فلم يمضِ قليل من الأشهر حتى شتت الله أمر مزهود وسيده وأشياعه كما سنذكره إن شاء الله وذلك أنه لما قتل الأمير الباشا أبو الحسن عليّ ترك ابناً اسمه مراد تحت كفاله عمه محمَّد باشا ثم تحت عمه رمضان المذكور ثم خوّفه منه مزهود وأشار عليه بالقبض عليه فحبسه وسمل عينيه وعالجه طبيب سراً وفرَّ من السجن لسوسة وقام بنصره بعد ذلك أهل وسلات وغيرهم ومالت المجموع إليه وبايعوه في رمضان سنة ١١١٠ هـ ووجه حينئذ من أخرج رمضان وقتله ثم أحرقه وألقى رماده في البحر فلا خبر له وكانت مدته ثلاثين شهراً فأعمل أولاً السيف في مزهود وشيعته وعزل أبا الغيث البكري عن الإمامة ثم أقبل على سيرته الشهيرة من قتل الإنسان والحيوان وانتهاك الحرمات والمجاهرة بالفواحش وقتل بنفسه الشيخ المفتي محمَّد العواني الشريف وشوى من لحمه وأكله مع ندمائه ولما أراد قتله قال

<<  <  ج: ص:  >  >>