للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحدود بثلاث خصائص:

أحدهما: القتل فيه بأشنع القتلات، وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.

الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم، فإنه سبحانه من رأفته ورحمته بهم شرع هذه العقوبة فهو أرحم بهم، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة فلا يمنعكم أنت ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره.

وهذا وإن كان عاما في سائر الحدود، ولكن ذكر في حد الزنا خاصة لشدة الحاجة إلى ذكره، فإن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر، فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيره من أرباب الجرائم، والواقع شاهد بذلك، فنهوا أن تأخذهم هذه الرأفة وتحملهم على تعطيل حد الله.

وسبب هذه الرحمة: أن هذا ذنب يقع من الأشراف والأوساط والأراذل، وفي النفوس أقوى الدواعي إليه، والمشارك فيه كثير، وأكثر أسبابه العشق والقلوب مجبولة على رحمة العاشق، وكثير من الناس يعد مساعدته طاعة وقربة، وإن كانت الصورة المعشوقة محرمة عليه.

وأيضا فإن هذا ذنب غالبا ما يقع مع التراضي من الجانبين، ولا يقع فيه من العدوان والظلم والاغتصاب ما تنفر النفوس منه،

<<  <   >  >>