للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعبد لجلهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه, لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذُخِر له. بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئاً, وبقله الرغبة في الآجل وإن كان علياً. ولو أنصف العبد ربه, وأنى له ذلك؟ لعلم أن فضله عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتها ونعيمها, أعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك, فما منعه إلا ليعطيه, ولا ابتلاه إلا ليعافيه, ولا امتحنه إلا ليصافيه, ولا أماته إلا ليحييه, ولا أخرجه إلى هذه الدار إلا ليتأهب منها للقدوم عليه, وليسلك الطريق الموصلة إليه. قال تعالى: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: ٦٢] , {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا} [الإسراء: ٩٩]. والله المستعان (١).

قد نادت الدنيا على نفسها ... لو كان في العالم من يسمع

كم واثق بالعمر واريتيه ... وجامع بدّدت ما يجمع (٢)

قال سعيد بن مسعود: إذا رأيت الرجل تزداد دنياه على آخرته وهو به راض, فذلك المغبون الذي يلعب بوجهه وهو لا يشعر (٣).

وكان ابن السماك يقول: يا بن آدم إنما تغدو في كسب


(١) الفوائد ص ٧٥.
(٢) تاريخ بغداد ٤/ ٦٦.
(٣) الإحياء ٣/ ٢٢٣.

<<  <   >  >>