للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب فيها ربه, فإن لم تأته الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة, وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الأولى. ويطول أمله خمسين سنة فيطول عليه العزم على المراقبة فيها, بل يكون ابن وقته كأنه في آخر أنفاسه فلعله آخر أنفاسه وهو لا يدري، وإذا أمكن أن يكون آخر أنفاسه فينبغي أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك الحالة. وتكون جميع أحواله مقصورة على ما رواه أبو ذر - رضي الله عنه - من قوله عليه السلام "لا يكون المؤمن ظاعنا إلا في ثلاث: تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم" (١)

أخي الحبيب ...

إن الصحة والفراغ والمال هي الأبواب الذي تلج منها الشهوات المستحكمة، ويتربع في فنائها الهوى الجامح فيأتي على صاحبه، وقد صدق من قال: من الفراغ تكون الصبوة.

وقد تميز المؤمن عن ذلك كله فهو كما قال قتادة بن خليد ... المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال .. مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة من أمر دنياه لا بأس بها (٢)

فإن العاقل الموفق من أدرك حقيقة ذلك، فاغتنم عمره في علم نافع يحفظه ويحفظ الأمة من نفسها ومن عدوها، ويجعلها أمة يدها


(١) الإحياء ٤/ ٤٢٧.
(٢) صفة الصفوة ٣/ ٢٣١.

<<  <   >  >>