للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هذا الوجه، وفيه غرابة، وعندي أن ابن إسحاق قد وهم في هذا السياق، فظن أن هذا الجمهور الجيش، وإنما كان للذين فروا حين التقى الجمعان، وأما بقيتهم فلم يفروا بل نصروا، كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين وهو على المنبر في قوله: "ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه" فما كان المسلمون ليسمونهم فرارًا بعد ذلك، وإنما تلقوهم إكرامًا وإعظامًا (٦) " ثم أورد خبر ابن إسحاق في موضع آخر وقال: "هذا مرسل (٧) ".

وقال الشيخ الألباني في تعقبه على البوطي: "فهذا منكر، بل باطل، ظاهر البطلان، إذ كيف يُعقل أن يقابَل الجيش المنتصر مع قلة عدده وعُدده، على جيش الروم المتفوق عليهم في العدد والعُدد أضعافًا مضاعفة، كيف يعقل أن يقابَل هؤلاء من الناس المؤمنين بحثوا التراب ... (٨) ".

ازْوِرار سرير ابن رواحة عن صاحبيه:

قال ابن إسحاق: "ولما أصيب القوم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني: أخذ الراية زيد بن حارثة، فقاتل بها حتى قتل شهيدًا، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قُتل شهيدًا، قال: ثم صمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تغيرتْ وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال: ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قُتل شهيدًا، ثم قال لقد رُفعوا إليّ في الجنة، فيما يرى النائم، على سُرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارًا عن سريري صاحبيه. فقلت: عمَّ هذا؟ فقيل لي: مضيا، وتردّد


(٦) البداية والنهاية (٤/ ٢٤٨)
(٧) البداية والنهاية (٤/ ٢٥٣)
(٨) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. ص ٣١.

<<  <   >  >>