للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبي - صلى الله عليه وسلم -" (١).

عباد الله! لما رأى أبو طالب إصرار قريش على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، جمع بني عبد المطلب ودعاهم إلى الدخول بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في شعب أبي طالب، ودعاهم أيضاً إلى أن يمنعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل من أراد قتله، فاجتمع على ذلك مؤمنهم وكافرهم، منهم من فعل ذلك حمية، ومنهم من فعل ذلك إيماناً ويقيناً.

فلما رأت قريش أن بني هاشم وبني عبد المطلب دخلوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الشِّعب ليمنعوه ممن أراد قتله، اتفقوا فيما بينهم على مقاطعة عامة لبني هاشم وبني عبد المطلب، وأجمعوا أمرهم أن لا يبايعوهم ولا يبتاعوا منهم، ولا ينكحوهم ولا ينكحوا منهم، حتى يسلموا إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقتلوه، وكتبوا ذلك في صحيفة، وعلقوها في جوف الكعبة، ومضى على ذلك ثلاث سنين، فجُهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه جهداً شاقاً، وأنهكهم الجوع، وهم في ذلك صابرون محتسبون، واثقون من أن الله -تعالى- جاعل لهم من هذا الضيق فرجاً ومخرجاً.

عباد الله! فلم تمض الثلاث سنين على هذا الحصار وهذه المقاطعة حتى فرق الله كلمة المشركين، وفرق جمعهم، فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن سر هذه المقاطعة، وسبب هذا الحصار الذي فرضوه على بني هاشم وبني عبد المطلب، ونفعه وضرره، وماذا جنوا منه وماذا استفادوا، فاجتمع رجال من قريش على نقض هذه الصحيفة الظالمة.


(١) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ١٥٩٠)، ومسلم (رقم ١٣١٤).