للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباد الله! لما تمت بيعة العقبة الثانية، وعاد القوم إلى المدينة ينتظرون هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إليهم بتلهف كبير؛ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بالهجرة إلى المدينة واللحوق بالأنصار، فخرجوا أرسالاً -أي جماعات-

عباد الله! وكانت الهجرة إلى المدينة بوحي من الله تعالى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"رأيتُ في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي -أي ظني- إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب" (١).

وقالت عائشة - رضي الله عنها-: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين: "وإني أريت دار هجرتكم، سبخة، ذات نخل بين لابتين- وهما الحرَّتان-".

فهاجر من هاجر قِبلَ المدينة، ورجع عامة من كان بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قِبَلَ المدينة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على رسلك يا أبا بكر، فإني أرجوا أن يؤذن لي"، فقال أبو بكر: أترجوا ذلك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟

قال: "نعم" فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلف راحلتين كانتا عنده من ورق السَّمر أربعة أشهر" (٢). وذلك استعداداً لهجرة النبي من مكة إلى المدينة.

عباد الله! عندما أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، طاروا إليها زرافات ووحدانا، يحثهم الشوق إلى أرض أمن وأمان، يعبدون فيها ربهم، ويجهرون بصلاتهم، ويأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم، فلما رأت قريش


(١) متفق عليه رواه البخاري (رقم ٧٠٣٥)، ومسلم (رقم ٢٢٧٢).
(٢) رواه البخاري (رقم ٢٢٩٧).