للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجموع لتفريقها، وتلقينها درساً قاسياً لا تنساه، ويكون رادعاً لغيرها من القبائل التي تفكر أن تحذو حذوها في حرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وغزو المدينة

عباد الله! خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بجيش المسلمين إلى بني المصطلق فباغتوهم في ساعة لم يتوقعوها عند بئر يقال له المريسيع، فتفرقوا يميناً وشمالاً وولوا الأدبار، فقتل من قتل منهم، وأُسر من أُسر منهم، وسبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - النساء والذراري، وغنم الأموال دون آية مقاومة تُذكر.

عباد الله! وبهذا لقَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق، وغيرهم من القبائل المجاورة درساً لا ينسونه، أراهم من نفسه أن به وبالمسلمين قوة قادرة على حماية المدينة، وردّ كل من يريدها بسوء.

عباد الله! ولما عاد الجيش من غزوة بني المصطلق، وفي الطريق إلى المدينة أدركت الجيش القائلة في وادٍ كثير العضاة فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرّق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت سَمُرة فعلق بها سيفه ونام الجيش نومة، فجاء أعرابيٌ مشرك فأخذ سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترطه -أي سله وهو في يده- فقال الأعرابي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تخافنُي؟ قال- صلى الله عليه وسلم -: "لا".

فقال الأعرابي: فمن يمنعك مني؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "الله- ثلاثاً"، فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من يمنعك مني؟ " فقال الأعرابي: كن خير آخذٍ.

فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ ".

قال الأعرابي: لا، ولكني أُعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلَّى سبيله، فأتى الأعرابي أصحابه فقال: "جئتكم من عند خير الناس" (١).


(١) صحيح: "رياض الصالحين" (رقم ٧٩) تحقيق الألباني.