للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: إي والله.

فقال له ثابت: إنك لم تشهد معنا بدراً، إنا لا نُنصر بالكثرة" (١).

وصدق ثابت - رضي الله عنه - لأن الله قال في كتابه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: ١٢٣].

وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)} [الأنفال: ٢٦].

عباد الله! وهناك في "مؤتة" التقى الجمعان، وبدأ القتال المرير، ودخل ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين في مئتي ألف مقاتل من المشركين، معركة عجيبة تشاهدها الدنيا بالدهشة والحيرة، ولكن إذا هبت ريح الإيمان جاءت بالعجائب.

عباد الله! أخذ الراية زيد بن حارثة - رضي الله عنه - حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل يقاتل بضراوة وبسالة لا يوجد لها نظير إلا في أمثاله من أبطال الإِسلام، فلم يزل يقاتل حتى شاط في رماح القوم -أي: سال دمه- فقتل - رضي الله عنه -.

ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقاتل على فرسه الشقراء حتى أرهقه القتال، فنزل عن فرسه فعقرها -أي: ضرب قوائمها بالسيف وهي قائمة- ورفع الراية بيده، والسيف في يده الأخرى وأخذ يقاتل القوم وهو يقول:


(١) "البداية والنهاية" (٤/ ٢٤٤) وعزاه للبيهقي.