للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحابة والتابعون من خلالها على فتح البلاد بالجلاد، وفتح قلوب العباد بالتعليم والحُجج والبراهين، فاجتمعت لهم -رضي الله عنهم- فروسيتان: فروسية العلم والبيان، وفروسية السيف والسنان (١) ، وكان دفع الله عنهم، ونصرته لهم خارج (جزيرة العرب) ، كدفع الله عن أهل بدر وحفظه لهم، ونشرهم الإسلام فيها، فرضي الله عنهم جميعاً (٢) .

ثم استمر الحال بخير وعافية، وأمن وإيمان، حتى وقع ما ليس بالحسبان، من توالي الفتن واشتدادها على مرّ الزمان، والله المستعان، لا ربّ سواه.

أخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» (٨/٦٣٨ رقم ٢٩١) بسندٍ صحيح


(١) ومن لم يكن من أهل هاتين الفروسيتين، ولا ردءاً لأهلهما؛ فهو كلّ على نوع بني الإنسان.
(٢) ذكر مسلم في كتابه «الطبقات» : (٨٩) صحابياً و (١١) صحابية ممن سكن الكوفة، بينما ذكر (٤٦١) من تابعي أهل الكوفة، فالنشاط الحديثي -إذ مسلم اقتصر على ما يخص علم الحديث- فيها كاد أن يضاهي المدينة، ولا عجب من ذلك؛ فرجال العلم وُجدوا حيث كانت مراكز الثقافة، وقد كان -أيضاً- للدور السياسي الذي لعبته الكوفة في القرن الأول الهجري خاصة أثر كبير في تنشيط الرواية فيها، أما دور البصرة في الرواية؛ فهو يلي دور الكوفة، فقد نزلها (٦١) صحابيّاً، و (٤) صحابيات، و (٢٩٤) تابعياً.
وسمى الذهبي في كتابه «الأمصار ذوات الآثار» (ص ١٧٤-١٧٧) أعيان الصحابة والتابعين ومشاهير الخالفين ممن سكن الكوفة، وقال: «وما زال العلم بها متوفراً» ، قال: «ثم تناقص شيئاً فشيئاً، وتلاشى، وهي الآن دار الروافض» .
وقال في «تذكرة الحفاظ» (٣/٨٤٠) : «الكوفة تَغلي بالتشيّع، وتفور، والسُّنيُّ فيها طُرفة» .

قلت: ومن وضع الرافضة على عليّ -رضي الله عنه- ما أخرجه ابن سعد في «طبقاته» (٦/٦) بسندٍ فيه وضاع، قال: «الكوفة جمجمة الإسلام، وكنز الإيمان، وسيف الله ورمحه، يضعه حيث يشاء، وأيمُ الله! ليُنصَرنَّ الله بأهلها في مشارق الأرض ومغاربها كما انتصر بالحجارة» . ونحوه حديث مرفوع آخر عند ابن عساكر، فيه: «الكوفة فسطاط الإسلام، والبصرة فخر العابدين» ، انظره بطوله في «اللآلئ المصنوعة» (٢/٤٦٦-٤٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>