للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم، ثم يرجعون، ثم أرسل تمرلنك إلى السلطان فطلب منه شخصاً يقال له أطلمش، وكان الملكُ الظاهرُ قد مَسَكه وحبَسَه، واستمرَّ محبوساً بقلعة الجبل من مدَّة سنينَ، وقال: «أرسلوا إليّ هذا وأنا أرحل!» ، وذلك مكرٌ وخديعةٌ وكذِب.

ثم بعد أيام قلائل حضر للسلطان الملك الناصر حسينٌ المذكور طائعاً، وعلى رأسه تاج مرصع بالجوهر والفصوص، وهو شاب ذو صورة جميلة وقامة حسنة، فخلع عليه السلطان قباء بطرز زركش، وأنعمَ عليه بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش، وذكر عن تمرلنك أنه في التلاشي والهوان، ثم إنه تواخَى مع الأمير يشبك الدوادار، وقد قيل إنّ مجيئه كان بطريق النصيحة للمسلمين، والله أعلم بحقيقة ذلك.

وكان المذكورُ عند تمرلنك من الأمراء الكبار ومعه حاشيته فوق ألف نفس، وكانوا كلُّهم ينتهزون الفرصة للهروب والمجيء عند السلطان لأجل مخدومهم حسين، وكان ما تهيّأ لهم ذلك بسبب هروب العسكر المصري.

ثم بعد أيامٍ قلائل رحل تمرلنكَ من منزلته تلك وأخذ ناحية شُقحب من فوق جبل الكسوة، فلما رأت العساكرُ المصريةُ ذلك طمعوا فيهم وقالوا إنه يريدُ الهرب، فقام جماعةٌ من الأمراء وبرزوا إليهم حتى عدوا جسر الكسوة، وكان تمرلنك قد أكمن جماعة كثيرة وراء الجبل، ولم يظهر للمصريين منهم إلا أناسٌ قلائل، فهزت أنفسَهم أريحيَةُ الشجاعةِ، فحملوا عليهم، فعند ذلك ظهرت أناسٌ مثلُ قطع الليل المظلم، كردوساً بعد كردوس، وصفّاً بعد صف، إلى أن هجموا على المسلمين، فلما رأى المصريون ذلك شرَعوا في تولي الأدبار، ونوَوا الهروب والفرار، فرجعوا وهم يقاتلون مدافعةً عن أنفسهم، ولم يزالوا على ذلك إلى أن تفرقوا كلُّهم شغر بغَر، ودخلوا المدينة متفرقين، وقد أُخذَ منهم بعضُ ناسٍ من ورائهم ممن كان فرسُه ضعيفاً، وقُتِل من عسكر تمرلنك جماعة، ولم يزل عسكر تمرلنك في السوق وراءهم إلى أن وصلوا

<<  <  ج: ص:  >  >>