للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع يشتدّ بمضيّ الزمان، ويظهر للعيان، ويهيّج من بعض البلدان، وفق سنن للرحمن، وتكون تارةً على هيئة عواصف وكوارث وزلازل وبراكين، تصيب الطالحين وتمتد عند الكثرة إلى الصالحين، وتكون عذاباً وعقوبة لجماعة، ورحمة وخيراً ورفعةً لآخرين.

«وفي تشبيهه صلى الله عليه وسلم الفتن بأنها تموج كموج البحر إشارة واضحة إلى قوتها وشدتها، ثم إلى تتابعها، وإلى أنه لا يمكن لأحد الوقوف أمامها؛ لأنه لا يمكن لأحد أنْ يقف أمام موج البحر، وأنّ الناس أمام هذه الفتن ستضطرب حركتهم، ويختل توازنهم، وتضيق صدورهم، وينقطع نفسهم، وهذه حال من يصارع الموج.


= ابن علقمة -رضي الله عنه- قال: قال رجل يا رسول الله هل للإسلام من منتهى؟ قال: «أيّما أهل بيت -وقال في موضع آخر: قال: نعم، أيُّما أهل بيت -من العرب أو العجم، أراد الله بهم خيراً، أدخل عليهم الإسلام» . قال: ثم مه؟ قال: «ثم تقع الفتنن كأنها الظُّلل» ، قال: كلا، والله إن شاء الله. قال: «بلى، والذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أسَاود صُباً يضرب بعضكم رقاب بعض، فخير الناس يومئذٍ: مؤمن معتزل في شعب من الشعاب، يتقي الله، ويذر الناس من شره» ، وهو صحيح، كما في «السلسلة الصحيحة» (رقم٥١)
ففي هذا الحديث فائدة مهمة، وهي أن الفتن تقع وكأنها (الظلل) وهي السحاب، تحيط بالناس من كل جهة، وأن الناس سيضرب بعضهم رقاب بعض، كما تنصب وترتفع الحية السوداء على الملدوغ فتلدغه، وهذا تفسير سفيان عند أحمد، وكذا شيخه الزهري، عند الحميدي والبيهقي وابن عبد البر.
فالفتن لها ظلل تنال من دين الخائض فيها، ولا سيما وهي (سوداء) و (عمياء) و (مطبقة) لا يظهر لها قبل من دبر، ولا ظهر من وجه، وكأنها حيات مصبوبة على الناس من السماء (وأساود: حيات، جمع أسود، إذا أرادت أن تنهش ارتفعت هكذا، ثم انصبت، وقال القرطبي في «التذكرة» (٦٢٥) نقلاً عن ابن دحية: «وهو الذي يميل ويلتوي وقت النهش، ليكون أنكى في اللدغ وأشد صبّاً للسُّم» ، وشبهت بها الفتن لشدة سوادها وكثرتها، وعظم شأنها، وأنها يتبع بعضها بعضاً، فهي متراكمة كالظلل، وأكثر ما يظهر ذلك عند تقاتل المسلمين، وسفك بعضهم دماء بعض، كما حصل في سلسلة الحروب التي ظهرت في (العراق) ، وانقسم المسلمون على إثرها إلى مؤيد ومعارض، وخيمت الفتنة فترة من الزمن، وظهرت شجاعة المسلمين على بعضهم البعض، وهم أذلاء جبناء مع عدوهم، فإلى الله المشتكى، ولا قوة إلا بالله العظيم!

<<  <  ج: ص:  >  >>