للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحوالهم (١) ، ودلّ على هذا على وجهٍ أصرحَ أثرُ أبي هريرة عند البخاري (٢) .

قال ابن بطال بعد إيراده له: «دل على أنّ الغدر لأهل الذمة لا يجوز، ألا ترى ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم من الذّمة والوفاء بها لأهلها من أجل إنماء معاش المسلمين، ورزق عيالهم، فأعلمهم بهذا الحديث أنهم متى ظُلِموا، منعوا ما في أيديهم، واشتدوا وحاربوا وأعادوا الفتنة، وخلعوا ربقة الذمة، فلم يجتب المسلمون درهماً، فضاقت أحوالهم وساءت، وفيه من علامات النبوة» (٣) .

ومن اللطيف بهذا الصدد، ما أخرجه الدينوري في «المجالسة» (٦/١٧٩ رقم ٢٥٢٥) بسند ضعيف عن ابن سيرين، قال: مر ابن عمر على رجل، فسلم عليه. فلما جاز، قيل له: إنه كافر. فرجع إليه، فقال: رُدَّ عليَّ السلام. فردّ عليه. فقال له: أكثر اللهُ مالك وولدَك. ثم التفت إلينا، فقال: «هذا أكثر للجزية» .

حادي عشر: استنبط كثير من الفقهاء من هذا الحديث أن الأرض المغنومة لا تقسم ولا تباع (٤) ، ونقل ابن تيمية هذا الحكم عن أهل المذاهب المتبوعة في الأرض التي فتحت عنوة، وقال: «ولكن المسلمون لما كثروا نقلوا أرض السواد في أوائل الدولة العباسية من (المخارجة) (٥) إلى


(١) «فتح الباري» (٦/٢٨٠) .
(٢) مضى تخريجه (ص ٢٦٠) ، وبيان أن غير واحد من أهل العلم ذكر أن معناه يلتقي مع ما في حديثنا هذا.
(٣) «شرح صحيح البخاري» (٥/٣٦٢) . وانظر: «إرشاد الساري» (٥/٢٤٣-٢٤٤) ، «التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح» (٢/٤٨٧) ، «الأبواب والتراجم لصحيح البخاري» (٤/١٤٥) ، «عون الباري» (٣/٦٤٦ - ط. الرشيد/حلب) .
(٤) انظر في هذا: «مختصر اختلاف العلماء» (٣/٤٩٦-٤٩٧) .
(٥) يطلق عليه -أيضاً- (خراج التوظيف) أو (المواظفة) ؛ وهو: أن يكون الواجب شيئاً في الذّمة، يتعلّق بالتمكّن من الانتفاع بالأرض، سواء زرعها صاحبها بالفعل أو لم يزرعها، ويجب =

<<  <  ج: ص:  >  >>