للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان منها فوق ظرفيّ، وما لم يتمكن المجتهد من إدراك هذا الأمر؛ فإنّ اجتهاده يظل ذا صفة تخبطية غير موضوعيّة، ولا منهجيّة» (١) .

ونُقرر هنا بكل أريحية؛ أنّ كثيراً مِن الدراسات التي اعتنت أخيراً ... -وسبق ذكرٌ لبعضها- في إسقاط الأحداث على الأحاديث -أو العكس- بعيدةٌ عن هذا الضابط: (الإبقاء على مراتب النصوص كما وصلتنا) ، ولذا وجدنا فيها تخبطاً ولا موضوعية، والأمثلة السابقة أكبر شاهد على ذلك، واللَّه الموفّق.

إذا عُلِمَ هذا؛ تقرر تعذُّر الرسم التفصيلي لمعرفة مجريات الأحداث آخر


(١) «في ضوابط منهجية للتعامل مع النص الشرعي» (ص ٣٦) ، ومراعاة ما سبق تعصم المجتهد من تسليط سيف الإجماع على الآراء المخالفة، وتمنع من دعاوى غلق باب الاجتهاد والعكوف على آراء مذهبية والتعصب لها، والجمود في شروح أحاديث (الفتن) على كلام السابقين! وحصر الحق فيها!

ومما ينبغي أن يذكر هنا شبيه ونظير لما نحن بصدده، يظهر لنا من خلاله تأكيد المراد من سوق هذا الكلام هنا، وهو يتعلّق ببعض الأمكنة التي خصها الشرع بأحكام لا نزاع فيها؛ أعني: تخصيص قدر معين من الأرض المحيطة بالمسجدين: الحرام والنبوي، بأحكام لا تسري إلى ما جاورها، فهذا الظرف المكاني يشبه ما نحن بصدده من الظرف الزماني، فالكلام في هذا المقدار يدور مع التسليم، والتلقِّي، ويقول في هذا الفيروزآبادي في كتابه «المغانم المطابة في معالم طابة» (١/٢٩٠-٢٩١) :
«ثم اعلم أن العقول البشرية عموماً قاصرة عن إدراك حقيقة معنى الأحكام المتلقاة عن النبوة؛ لأنها واردة عن طور فوق العقول البشرية، وإنما تظهر لائحةً من أنوارٍ شوارقُ مطالعها مخصوصٌ من صنائن الله -تعالى-، وذلك بإدراك القلوب الربانية والفهوم الإيمانية، لا بالأفكار العقلية والنفوس البشرية، ولذلك يرى أهل التوقيف من علماء الظاهر إذا مروا بشيء من ذلك أضربوا عن الخوض في سبيله، وتجنبوا طرق تعليله، وتلقَّوه حُكماً مقبولاً عن الله -تعالى- ورسوله، فافتخروا بقبوله، ومن أراد غير ذلك لم يبرح في تحيُّره وخموله» .
وهكذا يقال في أحاديث الفتن، فلا بد لنا من النصوص للتّسليم، بالمقدار والصفة التي وردت، دون تجاوز ذلك، والله الموفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>