للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير الزعم أنها محصورةٌ في حادثة معينة، وهذا ما لمسناه من صنيع ابن كثير الماضي، ومن قبله شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه عالج (فتنة التتار) في رسالة وجهها إلى الملك الناصر تدلل على فهم عميق لأحاديث الفتن، لا تلغي المحكم من الواجبات الشرعيّة المنوطة بالراعي والرعية، وها أنذا أسوق الرسالة على طولها لأهميتها:

فصل

رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية إلى السلطان الملك الناصر في شأن التتار

«إلى سلطان المسلمين؛ نصرَ الله به الدين، وقمعَ به الكفّار والمنافقين، وأعزَّ به الجند المؤمنين، وأدالَهم به على القوم المفسدين.


= ومذنب (هالي) هذا قال فيه أبو تمام في (بائيته) المشهورة:
وخوَّفوا الناس من دَهياءَ مظلمةٍ ... إذا بدا الكوكبُ الغَربيُّ ذو الذَّنَبِ

وسبحان الله! متى يعتمد على (عجائز اليهود) في أخبار الغيب، وكيف يربط ذلك بدورة كوكب، وهل التنجيم إلا ربط الأحداث التي تجري على الأرض بحركة الكواكب والنجوم! ألا فليتق الله هؤلاء، المفتئتون على الشرع بلسان الشرع! وأشبِّه ما وقع للشيخ الدَّبَّاغ بما حكاه الشاطبي في «الموافقات» (١/١٢٠ - بتحقيقي) ، قال:
«ومن طريف الأمثلة في هذا الباب ما حدَّثناه بعضُ الشيوخ: أنَّ أبا العباس ابنَ البَنَّاء سُئل، فقيل له: لِمَ لم تَعْمل (إنَّ) في {هَاذَانِ} من قوله -تعالى-: {إِنْ هَاذَانِ لَسَاحِرَانِ} الآية [طه: ٦٣] ؟
فقال في الجواب: لمَّا لم يُؤثِّر القولُ في المقول؛ لم يؤثر العمل في المعمول.
فقال السائل: يا سيدي! وما وجه الارتباط بين عمل (إن) وقولِ الكفار في النبيِّين؟
فقال له المجيب: يا هذا! إنما جئتُك بنُوَّارةٍ يحسن رونقُها، فأنت تريدُ أن تحكَّها بين يديك، ثم تطلب منها ذلك الرونق -أو كلاماً هذا معناه-!

<<  <  ج: ص:  >  >>