للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سميناً، لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعايير الحكمة، والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار» (١) .

وهذا الكلام متين رزين، ومهم غاية، ويوظّفه المتبصّرون في الأزمات في كشف الانتحال والتهور والكذبات، والعمل على إبعاد الآفات والنكبات على شخوصهم ومجتمعاتهم قدر مكنتهم، والله الواقي من الشرور والمنكرات، والموفق والهادي للصالحات.

ويتأكد لك ما قلناه، وتتبرهن صحة دعواه بعرض ما سطرناه على ما في كتب الشروح حول (الهرج) -مثلاً- ومداه.

قال ابن بطال (المتوفى سنة ٤٤٩هـ) في شرح ما أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الفتن (باب ظهور الفتن) ب (رقم ٧٠٦١) بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقَّى الشّح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج» :

«هذا كله إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بأشراط الساعة، وقد رأينا هذه الأشراط عياناً، وأدركناها؛ فقد نقص العلم، وظهر الجهل، وأُلقي الشح في القلوب، وعمّت الفتن، وكثر القتل» (٢) .

وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- (المتوفى سنة ٨٥٢هـ) معلقاً على قول ابن بطال هذا:

«قلتُ: الذي يظهر أنّ الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله،


(١) «مقدمة ابن خلدون» (ص ٩) .
(٢) «شرح ابن بطال على صحيح البخاري» (١٠/١٣) ، ويعجبني ما قاله المناوي في «فيض القدير» (٢/٤٤٤) عند شرحه: «وفيه حث على اقتباس العلوم الدينية قبل هجوم تلك الأيام الدنيئة الرديئة» !

<<  <  ج: ص:  >  >>