للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما آيات الله في أرضه، ففى مشاهدتها فوائد للمستبصر:

ففيها قطع متجاورات، وفيها الجبال والبرارى والقفار والبحار، وأنواع الحيوان والنبات، وما من شئ إلا وهو شاهد لله بالوحدانية، ومسبح بلسان ذلق لا يدركه إلا من ألقى السمع وهو شهيد.

وإنما نعني بالسمع: سمع الباطن، فبه يدرك نطق لسان الحال، وما من ذرة في السماوات والأرض إلا ولها أنواع شاهدات لله سبحانه بالوحدانية.

وقد ذكرنا أن فوائد السفر الهرب من الولاية والجاه وكثرة العلائق، لأن الدين لا يتم إلا بقلب فارغ عن غير الله، ولا يتصور فراغ القلب في الدنيا عن مهمات الدنيا والحاجات الضرورية، ولكن يتصور تخفيفها وتقليلها، وقد نجا المخفون وهلك المثقلون، والمخف الذي ليست الدنيا أكبر همه.

[١ ـ فصل [في السفر المباح]]

ومن أقسام السفر أن يكون مباحاً، كسفر التفرج والتنزه، فأما السياحة في الأرض لا لمقصود، ولا إلى مكان معروف، فإنه منهى عنه.

فقد روينا من حديث طاووس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا رهبانية، ولا تبتل، ولا سياحة في الإسلام" (١).


(١) أخرج الدارمي ٢/ ١٣٣ من حديث سعد بن أبي وقاص قال: لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان ممن ترك النساء بعث، إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: "يا عثمان إني لم أومر بالرهبانية ... " وسنده قوي، وأخرج أحمد ٦/ ٢٢٦ من طريق عروة قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على عائشة وهي باذة الهيئة، فسألتها: ما شأنك، فقالت: زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت عائشة ذلك له، فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، فقال: "يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك فيّ أسوة ... " ورجاله ثقات.
وأخرج البخاري: ٩/ ١٠١، ومسلم (١٤٠٢) من حديث سعد بن أبي وقاص أنه: "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا" وقد ذم الله أهل الكتاب لابتداعهم الرهبانية، وأخبر أنه لم يشرعها لهم وإنما التزموها من تلقاء أنفسهم، قاصدين بذلك رضوان الله، لكنهم لم يقوموا بما التزموه حق القيام، فقال سبحانه {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} قال ابن كثير: وهذا ذم لهم من وجهين، أحدهما، الابتداع في دين الله مما لم يأمر به الله، والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة تقربهم إلى الله عز وجل. ولما قال أحد الثلاثة الذين أتوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، يسألونه عن عبادته: وقال: إني لا أتزوج النساء، غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" أخرجه البخاري في "صحيحه".

<<  <   >  >>