للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس في القناعة إلا الصبر عن المشتبهات والفضول، مع ما يحصل له من ثواب الآخرة، ومن لم يؤثر عزَّ نفسه عن شهوته، فهو ركيك العقل، ناقص الإيمان.

الرابع: أن يكثر تفكره في تنعم اليهود والنصارى وأراذل الناس والحمقى منهم، ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء والصالحين، ويسمع أحاديثهم، ويطالع أحوالهم، ويخير عقله بين مشابهة أراذل العالمين، أو صفوة الخلق عند الله تعالى، حتى يهون عليه الصبر على القليل والقناعة باليسير، وأنه إن تنعم بالأكل فالبهيمة أكثر أكلاً منه، وإن تنعم بالوطء فالعصفور أكثر سفاداً (١) منه.

الخامس: أن يفهم ما في جمع المال من الخطر، كما ذكرنا في آفات المال، وينظر إلى ثواب الفقر، ويتم ذلك بأن ينظر أبداً من دونه في الدنيا، وإلى من فوقه في الدين، كما جاء في الحديث من رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".

عماد الأمر: الصبر وقصر الأمل، وأن يعلم أن غاية صبره في الدنيا أيام قلائل لتمتع دائم، فيكون كالمريض الذي يصبر على مرارة الدواء لما يرجو من الشفاء.

[١٣ ـ فصل [في لزوم القناعة لمن فقد المال]]

ينبغي لمن فقد المال أن يستعمل القناعة كما ذكرنا، ولمن وجده أن يستعمل السخاء والإيثار واصطناع المعروف، فإن السخاء أخلاق الأنبياء، وهو أصل من أصول النجاة.

وعن جابر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " قال جبريل عليه السلام: قال الله عز وجل: الإسلام دين ارتضيته لنفسي، ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما صحبتموه" (٢).

وفى حديث آخر: عن ابن عباس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم


(١) أي نزواً.
(٢) قال العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد، دون قوله "وحسن الخلق" بسند ضعيف، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات"، وذكره بهذه الزيادة ابن عدي من رواية بقية عن يوسف بن السّفر عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة، ويوسف ضعيف.

<<  <   >  >>