للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنحيت نفسي عنه، فأخذ ثيابي فجرني إليه وقال: لم تفعلون بى ما تفعلون بالجبابرة، وإني لا أعرف منكم رجلا شراً منى؟ ‍!

ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته، وهذا بخلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومنها أن لا يحمل متاعه من سوقه إلى بيته، وقد اشترى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً وحمله. وكان أبو بكر رضى الله عنه يحمل الثياب إلي السوق يتجر فيها. واشترى عمر رضى الله عنه لحماً فعلقه بيده وحمله إلى بيته. واشترى على رضى الله عنه تمراً فحمله في ملحفة، فقال له قائل: أحمل عنك؟ قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل.

وأقبل أبو هريرة رضى الله عنه يوماً من السوق وقد حمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة مروان، فقال لرجل: أوسع الطريق للأمير.

ومن أراد إن ينفى الكبر، ويستعمل التواضع، فعليه بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد سبقت الإشارة إليها في كتاب "آداب المعيشة".

...

[٢ ـ بيان معالجة الكبر واكتساب التواضع]

واعلم: أن الكبر من المهلكات، ومداواته فرض عين، ولك في معالجته مقامان:

الأول: في استئصال أصله وقطع شجرته، وذلك بأن يعرف الإنسان نفسه ويعرف ربه، فإنه إذا عرف نفسه حق المعرفة، علم أنه أذل من كل ذليل، ويكفيه أن ينظر في أصل وجوده بعد العدم من تراب، ثم من نطفة خرجت من مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة، فقد صار شيئاً مذكوراً، بعد أن كان جماداً لا يسمع ولا يبصر، ولا يحس ولا يتحرك، فقد ابتدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبفقره قبل غناه.

وقد أشار الله تعالى إلى هذا بقوله: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس: ١٨ و ١٩] ثم امتن عليه بقوله: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس: ٢٠]، وبقوله:

<<  <   >  >>