للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم من يؤذن ويظن أن ذلك لله، ولو أذن غيره في غيبته، أشتد عليه ذلك وقال: قد زاحمني في مرتبتي.

ومنهم من يجاور بمكة أو المدينة وقلبه متعلق ببلاده، وقول الناس: فلان مجاور بمكة أو المدينة، ثم إنه يجاور ويطمع في أوساخ الناس، وقد يجمع ذلك ويشح به ويجتمع له جملة من المهلكات. وما من عمل إلا وفيه آفات، فمن لم يعرفها وقع فيها، ومن أراد أن يعرفها، فلينظر في كتابنا هذا، فينظر في آفات الرياء الحاصل في العبادات من الصوم والصلاة وفى جميع القربات في الأبواب المرتبة في هذا الكتاب، وإنما الغرض الآن الإشارة إلى مجامع ما سبق.

وفرقة أخرى زهدت في المال، وقنعت بالدون من اللباس والطعام، وقنعت من المسكن بالمساجد، فظنت أنها أدركت رتبة الزهاد، وهم مع هذا شديدو الرغبة في الرياسة والجاه، فقد تركوا أهون الأمرين وباؤوا بأعظم المهلكين.

وفرق أخرى حرصت على النوافل، ولم تعتن بالفرائض، فترى أحدهم يفرح بصلاة الضحى وصلاة الليل، ولا يجد للفريضة لذة. ولا يحرص على المبادرة إليها في أول الوقت، وينسى قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "ما تقرب المتقربون إلا بمثل أداء ما افترضت عليهم" (١).

الصنف الثالث: المتصوفة.

والمغرورون منهم فرق:

فرقة منهم اغتروا بالزي والنطق والهيئة، فتشبهوا بالصادقين من الصوفية بالظاهر، ولم يتعبوا أنفسهم في المجاهدة والرياضة، ثم هم يتكالبون على الحرام والشبهات


(١) جزء من حديث طويل أخرجه البخاري ١١/ ٢٩٢، ٢٩٦ من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله تعالى قال: من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشىء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" والمراد بالولي: العالم المواظب على طاعة الله ورسوله، المخلص في عبادته، وقد اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته. وقال أبو سليمان الخطابي: هذه أمثال، والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه، ويحفظه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله.

<<  <   >  >>