للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتاب الصبر (١) والشكر

وهو شطران:

الأول: فضل الصبر وحقيقته وأقسامه ونحو ذلك. وقد ذكر الله تعالى الصبر في القرآن في نحو من تسعين موضعاً، وأضاف إليه أكثر الخيرات والدرجات وجعلها ثمرة له، فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: ٢٤]. وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: ١٣٧]. وقال: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٦] وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].

فما من قربة إلا أجرها بتقدير وحساب إلا الصبر، ولأجل كون الصوم من الصبر قال الله تعالى (٢): "الصوم لى وأنا أجزى به". وقد وعد الله الصابرين بأنه معهم، وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم، فقال: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: ١٥٧] والآيات في هذا كثيرة.

وأما الأحاديث، ففى "الصحيحين" من حديث أبى سعيد رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ما أعطى أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر" وفى حديث آخر: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد" (٣).

وقال الحسن: الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله عزَّ وجل إِلا لعبد كريم عنده. وكان بعض العارفين في جيبه رقعة يخرجها كل ساعة فيطالعها، وفيها: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨].

واعلم: أن الصبر من خاصية الإنسان، ولا يتصور في البهائم لنقصانها، وغلبة الشهوات عليها من غير شئ يقابلها، ولا يتصور الصبر أيضاً في الملائكة لكمالها، فإن الملائكة جردوا للشوق إلى حضرة الربوبية، ولم تسلط عليهم شهوة صارفة عنها حتى يحتاج إلى مصادمة ما يصدها عن حضرة الجلال.


(١) انظر من منشورات دار البيان بدمشق كتاب "تسلية أهل المصائب" للمنبجي الحنبلي.
(٢) أي في الحديث القدسي.
(٣) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي مرفوعاً وهو ضعيف جداً، وروي عنه موقوفاً بسند ضعيف أيضاً.

<<  <   >  >>