للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلماء. والناس مختلفون فيه منهم من يقصد النكاح لطلب النسل ويمكنه الكسب الحلال للعائلة، فلا يقدح ذلك في دينه، ولا يتشتت قلبه، بل يجمع النكاح همه، ويكف بصره، ويرد فكره، فهذا غاية في الفضيلة، وعليه يحمل حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحال على رضى الله عنه، ومن جرى مجراهما، ولا التفات إلى قول من يرى الزهد بترك الالتذاذ بالنكاح، فإن ذلك يقع ضمناً وتبعاً للمقصود.

وقد كان بعض السلف يختار المرأة الدون على الجميلة، وذلك محمول على أن تلك تكون إلى الدين أميل، والنفقة عليها أقل، والاهتمام بأمرها يسير، بخلاف المستحسنة، فإنها تشتت القلب، وتشغله، وتريد زيادة في النفقة، وربما لم يكن.

وقد قال مالك بن دينار، يعمد أحدهم فيتزوج ديباجة الحي فتقول: أريد مرطاً (١) فتمرط دينه.

السادس: المال: وهو ضروري في المعيشة، فالزاهد يقتصر منه على ما يدفع به الوقت، وكان في الصالحين من يتشاغل بالتجارة ويقصد بها العفاف.

وكان حماد بن سلمة إذا فتح حانوته وكسب حبتين، قام.

وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت، وخلف أربعمائة دينار، وقال: إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني.

السابع: الجاه، ولابد للإنسان من جاه حتى في قلب خادمه، واشتغال الزاهد بالزهد يمهد له الجاه في القلب، فينبغي أن يتحرز من شر ذلك.

وفى الجملة فإن الحوائج الضرورية ليست من الدنيا، وكان كثير من السلف يعرض لهم بالمال الحلال، فيقولون: لا نأخذه، نخاف أن يفسد علينا ديننا.

[٩ ـ فصل في بيان علامات الزهد]

وقد تظن أن تارك المال زاهد، وليس كذلك، فإن ترك المال، وإظهار التخشن، سهل على من أحب المدح بالزهد، فكم من راهب قد لازم الدير، وقلل المطعم،


(١) المرط بكسر الميم: واحد المروط، وهى أكسية من صوف أو خز كان يؤتزر بها، وقوله "تمرط دينه" أي: تذهب به، من قولهم: مرط الشعر: إذا نتفه.

<<  <   >  >>