للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موعد لقاء حبيبه. هذا في غالب الأمر يستبطئ مجيء الموت، ويحبه ليتخلص من دار العاصين، وينتقل إلى جوار رب العالمين، كما قال بعضهم: حبيب جاء على فاقة.

فإذن: التائب معذور في كراهة الموت، وهذا معذور في حب الموت وتمنيه، وأعلى منهما من فوض أمره إلى الله تعالى، فصار لا يختار لنفسه موتاً ولا حياة، بل تكون الأشياء إليه أحبها إلى مولاه، فهذا قد انتهى بفرط الحب والولاء إلى مقام التسليم والرضى، وهو الغاية والمنتهى.

وعلى كل حال، ففى ذكر الموت ثواب وفضل، فإن المنهمك في الدنيا قد يستفيد بذكر الموت التجافى عن الدنيا، لأن ذكره ينغص عليه نعيمه ويكدره.

[٢٠ ـ باب ما جاء في فضل ذكر الموت]

عن أبى هريرة رضى الله عنه رضى الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت".

وعن أنس رضى الله عنه: أن رجلاً ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأحسنوا عليه الثناء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كيف كان ذكر صاحبكم للموت؟ " قالوا: ما كنا نسمعه يذكر الموت. قال: "فإن صاحبكم ليس هناك" (١).

وعن ابن عمر رضى الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: "أي المؤمنين أكيس، قال: أكثرهم للموت ذكراً وأشدهم استعداداً له أولئك هم الأكياس" (٢).

وقال الحسن البصري: فضح الموت الدنيا، فلم يترك لذي لب فيها فرحاً، وما ألزم عبد قلبه ذكر الموت إلا صغرت الدنيا عليه، وهان عليه جميع ما فيها.

وكان ابن عمر رضى الله إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، وكان يجمع كل ليلة الفقهاء، فيتذكرون الموت والقيامة ثم يبكون، حتى كأن بين أيدهم جنازة.


(١) نسبة العراقي في "تخريج الإحياء" إلى ابن أبى الدنيا في "الموت" بإسناد ضعيف.
(٢) ضعيف أخرجه ابن ماجة (٤٢٩٥) من حديث ابن عمر، وفى سنده مجهولان.

<<  <   >  >>