للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: "لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلباً سريعاً"، امشوا بى المشيتين لا تسرعوا بى، ولا تبطئوا، فإن كان خيراً عجلتمونى إليه، وإن كان شراً ألقيتمونى عن أكتافكم.

وروى أنه لما كانت الليلة التي أصيب فيها على رضى الله عنه أتاه ابن التياح حين طلع الفجر يؤذنه بالصلاة وهو مضطجع متثاقل، فعاد الثانية وهو كذلك، ثم عاد الثالثة فقام يمشى وهو يقول:

أشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لا قيك (١)

ولا تجزع من الموت ... وإن حل بناديك

فلما بلغ الباب الصغير شد عليه عبد الرحمن بن ملجم فضربه.

[٢٨ ـ ذكر كلمات نقلت عن جماعة عند موتهم من الصحابة وغيرهم وذكر زيارة القبور ونحو ذلك]

لما نزل الموت بالحسن بن على رضى الله عنهما قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار، فأخرج فقال: اللهم إنى أحتسب نفسي عندك، فإني لم أصب بمثلها.

وقد ذكرنا ما تقدم من كلام الخلفاء الأربعة رضى الله عنهم.

وروى أن معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة قال: انظروا هل أصبحنا؟ فأتى فقيل: لم تصبح، حتى أتى في بعض ذلك، فقيل له: لقد أصبحنا، فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها النار، ثم قال: مرحباً بالموت زائر مغيب، وحبيب جاء على فاقة، اللهم إنى كنت أخافك وأن اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أنى لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكرى الأنهار (٢) ولا لغرس الأشجار، ولكن لطول ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.

وقال أبو مسلم: جئت أبا الدرداء وهو يجود بنفسه ويقول: ألا رجل يعمل لمثل


(١) قال المبرد في "الكامل" ص ٩٢٣ بعد إنشاده: والشعر إنما يصح بأن تحذف "اشدد" فتقول:
خيازيمك للموت ... فإن الموت لا قيك
ولكن الفصحاء من العرب يزيدون ما يمليه المعنى، ولا يعتدون به في الوزن. والحيزوم: ما اشتمل عليه الصدر، وجمعه حيازيم، ويقال للرجل: أشدد حيازيمك لهذا الأمر، أي وطن نفسك عليه.
(٢) كريت النهر: حفرته.

<<  <   >  >>