للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحال , وفساده فى دينه ومآله , فإن الرب إذا أعرض عن جهة , دارت بها النحوس , وأظلمت أرجاؤها , وانكسفت أنوارها , وظهرت عليها وحشة الأعراض , وصارت مأوى للشياطين , وهدفا للشرور , ومصبا للبلاء , فالمحروم كل المحروم من عرف طريقا إليه ثم أعرض عنها , أو وجد بارقة من حبه ثم سلبها لم ينفذ إلى ربه منها خصوصا إذا مال بتلك الإرادة إلى شىء من اللذات , وانصرف بجملته إلى تحصيل الأغراض والشهوات , عاكفا على ذلك فى ليله ونهاره وغدوه ورواحه , هابطا من الأوج الأعلى إلى الحضيض الأدنى , فقد مضت عليه برهة من أوقاته وكان همه الله وبغيته قربه ورضاه وإيثاره على كل ما سواه , على ذلك يصبح ويمسى ويظل ويضحى , وكان الله فى تلك الحال وليه , لأنه ولى من تولاه وحبيب من أحبه ووالاه , فأصبح فى سجن الهوى ثاويا وفى أسر العدو مقيما وفى بئر المعصية ساقطا , وفى أودية الحيرة والتفرقة هائما , معرضا عن المطالب العالية إلى الأغراض اخسيسة الفانية , كان قلبه يحوم حول العرش , فأصبح محبوسا فى أسفل الحش:

فأصبح كالبازى المنتف ريشه ... يرى حسرات كلما طار طائر

وقد كان دهرا فى الرياض منعما ... على كل ما يهوى من الصيد قادر

إلى أن أصابته فى الدهر نكبة ... إذا هو مقصوص الجناحين حاسر

فيا من ذاق شيئا من معرفة ربه ومحبته ثم أعرض عنها واستبدل بغيرها منها , يا عجبا له بأى شىء تعوض , وكيف قر قراره فما طلب الرجوع إلى أحنيته وما تعرض , وكيف اتخذ سوى أحنيته سكنا , وجعل قلبه لمن

<<  <   >  >>