للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- إذا علم هذا .. فاعلم أن حاجة العبد الى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا في محبته .. ولا في خوفه .. ولا في رجائه .. ولا في الحلف به .. ولا في التوكل عليه .. ولا في العمل له .. ولا في الحلف به .. ولا في النذر له .. ولا في الخضوع له .. ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب .. أعظم من جاجة الجسد الى روحه .. والعين الى نورها، بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به .. فإن حقيقة العبد روحه وقلبه .. ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو .. فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره .. وهي كادحة اليه كدحا فملاقيته، ولا بد من لقائه .. ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له .. ورضاه وإكرامه لها ..

ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل .. لم يدم له ذلك .. بل ينتقل من نوع الى نوع .. ومن شخص الى شخص .. ويتنعم بهذا في وقت .. ثم يعذب به ولا بد في وقت آخر.

وكثيرا ما يكون ذلك الذي يتنعم به ويتلذذ به غير منعّم له ولا ملذ .. بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك .. وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأظفار التي تحكه .. فهي تدمي الجلد وتخرقه .. وتزيد في ضرره .. وهو يؤثر ذلك لما في حكها من اللذة ..

وهذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه ومضرة وألم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب .. والعاقل يوازن بين الأمرين ويؤثر أرجحهما وأنفعهما ..

والله الموفق المعين وله الحجة البالغة كما له النعمة السابغة. (١)


(١) " طريق الهجرتين" إبن القيم ص ٧٧.

<<  <   >  >>