للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ومنها: أنّ المعاصي تزرع أمثالَها ويولّد (١) بعضها بعضًا حتى يعزّ (٢) على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إنّ من عقوبة السيئةِ السيئةَ بعدها، وإنّ من ثواب الحسنةِ الحسنةَ بعدها (٣). فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جانبها: اعملني أيضًا، فإذا عملها قالت الثانية كذلك، وهلم جرًّا، فتضاعف الربح (٤)، وتزايدت الحسنات. وكذلك جانب (٥) السيئات أيضًا، حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة. فلو عطّل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأحسّ من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء، حتىّ يعاودها، فتسكن نفسه، وتقرّ عينه.

ولو عطّل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسُه، وضاق صدره، وأعيَتْ عليه مذاهبُه، حتى يعاودها. حتى إنّ كثيرًا من الفسّاق لَيواقع (٦) المعصية من غير لذة يجدها، ولا داعية إليها، إلا لما


(١) ل، ز: "تولد".
(٢) ف: "يعسر".
(٣) ذكره المؤلف في طريق الهجرتين (٤٨٦)، وضمّنه كلامه في المدارج (١/ ١٨٤)، والفوائد (٣٥). ونسبه شيخ الإِسلام إلى سعيد بن جبير. مجموع الفتاوى (١٠/ ١١)، وانظر (١٥/ ٢٤٦)، ل (١٨/ ١٧٧).
(٤) ف: "الزرع".
(٥) ز: "كانت".
(٦) ف: "وحتى إنّ … يواقع".

<<  <  ج: ص:  >  >>