للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ومن عقوباتها: أنها تصرِفُ القلبَ عن صحّته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضًا معلولًا، لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه. فإنّ تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وأدواؤها (١)، ولا دواء لها إلا تركها.

وقد أجمع السائرون إلى الله أنّ القلوب لا تعطَى مُناها حتّى تصل إلى مولاها (٢)، ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة، ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها فيصير نفس دوائها. ولا يصحّ لها (٣) ذلك إلا بمخالفة هواها، فهواها (٤) مرضها، وشفاؤها مخالفته، فإن استحكم المرضُ قتَلَ أو كاد.

وكما أنّ من نهى نفسه عن الهوى كانت الجنّة مأواه، فكذا يكون قلبه في هذه الدار في جنة عاجلة لا يشبه نعيمَ أهلها نعيمٌ البتة، بل التفاوت الذي بين النعيمين كالتفاوت الذي بين نعيم الدنيا والآخرة. وهذا أمر لا يصدّق به إلا من باشر قلبه هذا وهذا.

ولا تحسبْ أنّ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)[الانفطار: ١٣ - ١٤]، مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دورهم الثلاثة هم كذلك، أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار


(١) س، ز: "داؤها". ل: "دواها"، وهو تحريف ما أثبتنا من ف.
(٢) "وقد أجمع … مولاها" ساقط من س.
(٣) "لها" ساقط من س. وفي ل: "لا يصلح لها".
(٤) س، ل: "وهواها".

<<  <  ج: ص:  >  >>