للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بعدها النوافل؛ وأنّ المحبّ لا يزال يُكثر من النوافل حتى يصير محبوبًا لله. فإذا صار محبوبًا لله أوجبت محبةُ الله له محبةً أخرى منه لله، فوق المحبة الأولى (١)، فشغلت هذه المحبة قلبه عن الفكرة والاهتمام بغير محبوبه، وملكت عليه روحه، ولم يبقَ فيه سعة لغير محبوبه البتّة. فصار ذكر محبوبه وحبّه ومثله الأعلى مالكًا لزمام قلبه، مستوليًا على روحه، استيلاءَ المحبوب على محبّه (٢) الصادقِ في محبته التي (٣) قد اجتمعت قوى حبّه كلّها له (٤).

ولا ريب أنّ هذا المحبّ إن سمع سمع بمحبوبه، وإن أبصر أبصر به، وإن بطش بطش به، وإن مشى مشى به. فهو في قلبه (٥)، ومعه، وأنيسه، وصاحبه. فالباء هاهنا باء المصاحبة (٦)، وهي مصاحبة لا نظير لها، ولا تدرك بمجرد الإخبار عنها والعلم بها، فالمسألة حاليّة لا علمية محضة.

وإذا كان المخلوق يجد هذا في محبة المخلوق (٧) التي لم يُخلَق لها ولم يُفطَر عليها، كما قال بعض المحبّين:

خيالك في عيني وذكرك في فمي … ومثواك في قلبي فأين تغيبُ؟ (٨)


(١) ف: "محبة الله محبة أخرى هي فوق … ".
(٢) ف: "حبّه".
(٣) كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: "الذي".
(٤) "له" ساقط من س.
(٥) "في" ساقطة من س.
(٦) وانظر عدة الصابرين (٧٨ - ٧٩).
(٧) ف: "محبته المخلوق".
(٨) لأبي الحكم ابن غَلِندو الإشبيلي الطبيب. انظر معجم الأدباء (١١٩٤). وقد =

<<  <  ج: ص:  >  >>