للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الألم، فيؤلم نفسه من حيث يظنّ أنه يحصّل لذتها، ويشفي (١) قلبه بما يُعقب عليه غاية المرض.

وهذا شأن من قصَرَ نظره على العاجل، ولم يلاحظ العواقب. وخاصَّةُ العقل: النظر في العواقب (٢)، فأعقَلُ الناسِ من آثر لذته وراحته الآجلة الدائمة على العاجلة المنقضية الزائلة، وأسفهُ الخلقِ من باع نعيم الأبد وطيب الحياة الدائمة واللذة العظمى التي لا تنغيص (٣) فيها ولا نقص (٤) بوجهٍ ما، بلذّة منغَّصة مشوبة بالآلام والمخاوف، وهي سريعة الزوال (٥) وشيكة الانقضاء.

قال بعض العلماء (٦): فكّرتُ فيما يسعى فيه العقلاء، فرأيتُ سعيهم كلّه في مطلوب واحد، وإن اختلفت طرقهم في تحصيله، رأيتهم جميعهم إنّما يسعون في دفع الهمّ والغمّ عن نفوسهم. فهذا بالأكل والشرب (٧)، وهذا بالتجارة والكسب، وهذا بالنكاح، وهذا بسماع الغناء والأصوات المطربة، وهذا باللهو واللعب. فقلتُ: هذا المطلوب مطلوب العقلاء، ولكن الطرق كلّها غير موصلة إليه، بل لعل أكثرها إنّما يوصل إلى ضدّه. ولم أر في جميع هذه الطرق طريقًا موصلة


(١) ل، ز: "يشقي"، تصحيف.
(٢) "وخاصة … العواقب" ساقط من ل.
(٣) ف: "تنغص".
(٤) "نقص" ساقط من ل.
(٥) "الزوال" ساقط من ز.
(٦) هو ابن حزم، وقد لخص المؤلف كلامه. انظر: الأخلاق والسير (١٣ - ١٦).
(٧) "والشرب" ساقط من ف.

<<  <  ج: ص:  >  >>