للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإمّا لدفع توهّم إرادة غير المراد ابتداء؛ كقوله [من الطويل]:

وكم ذدت عنّى من تحامل حادث ... وسورة أيّام حززن إلى العظم!

إذ لو ذكر اللحم، لربّما توهّم قبل ذكر ما بعده أن الحزّ لم ينته إلى العظم.

ــ

فالجواب: أن المشيئة يلزم من وجودها وجود المشئ، وإذا كان كذلك فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلا مشيئة الجواب؛ ولذلك كانت الإرادة كالمشيئة فى وجوب اطراد حذف مفعولها، صرح به ابن خطيب زملكان فى البرهان، وصاحب الأقصى القريب، وهو واضح، وبعد أن خطر لى هذا الجواب بسنين كثيرة رأيت التنوخى قد وقع عليه فقال فى الأقصى: علة ذلك أن مادة المشيئة والشئ واحد، فالمشيئة جعل ما ليس بشئ شيئا، فمعمولها لا يتأخر عنها وهو بعد لو منفى لانتفائه فى الجواب، فانتفاء المشيئة لازم لانتفائه فانتفاؤه بالوضع، وانتفاء المشيئة باللزوم، فحذف مفعول المشيئة، لينصرف الانتفاء إلى المشيئة فيكون انتفاء مفعولها تابعا لها. اه.

(تنبيه): وإذا حذفته بعد لو فهو المذكور فى جوابها أبدا، كذا قالوه، وقد يرد عليهم قوله تعالى: قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً (١) فإن المعنى لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة لأن المعنى يعين ذلك، وبذلك فسره الوالد - رضى الله عنه - فى تفسيره.

[حذف المفعول لدفع توهم إرادة غير المراد]

وإما (٢) أن يحذف المفعول كى لا يبتدر ذهن السامع ابتداء الإرادة غير المقصود كقول الشاعر:

وكم ذدت عنّى من تحامل حادث ... وسورة أيّام حززن إلى العظم (٣)

فإنه لم يفهم أن المحزوز اللحم، حتى علم أن الحز وصل إلى العظم، فلو قال:

حززن اللحم لربما توهم السامع أولا أن المقصود الإخبار بحز اللحم من غير نظر إلى


(١) سورة فصلت: ١٤.
(٢) معطوف على إما للبيان بعد الإبهام ص: ٦٨.
(٣) البيت من الطويل، وهو للبحترى، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص: ٨٢، والمخاطب فى البيت أبو الصقر ممدوح البحترى.

<<  <  ج: ص:  >  >>