للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما العرض (١) - كقولك: ألا تنزل تصب خيرا - فمولّد من الاستفهام.

ــ

سبب يترتب عليها، والنداء ليس فيه طلب غير إقبال المخاطب، وقد أورد على تقدير الشرط قوله عز وجل: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا (٢)، فإنه لو كان التقدير إن تقل لهم يغفروا، للزم من القول الغفران، وأجيب عنه بأن القول لهم سبب، وقد يتخلف الغفران لمانع، وقيل: يغفروا محكى بالقول، وأصله اغفروا، ولكنه جاء على المعنى، كقوله: قال زيد قام، ويكون لفظه قمت، ومنه حلف زيد ليخرجن، وإنما قال: لأخرجن، ونظير الآية قوله تعالى: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ (٣) وأما قوله تعالى: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي (٤) على قراءة الرفع، فقال الزمخشرى: إنه على الصفة، وقال السكاكى: إنه على الاستئناف، كأنه قيل له: ما تصنع به؟ قال: يرثنى. فلم يكن داخلا فى المطلوب بالدعاء، ولا يكون صفة لما يلزم عليه من عدمه استجابة الدعاء، فإن يحيى مات فى حياة زكريا - عليهما الصلاة السّلام - قلت: يرد عليه شيئان:

أحدهما: أن هذا المحذور الذى فر منه لازم له على قراءة الجزم، فمهما كان عذر عنهما كان عذرا عن كونه صفة، وعن استجابة الدعاء.

الثانى: أن هذا الذى ذكره من عدم استجابة الدعاء لا يترتب عليه محذور، بخلاف الاستئناف فإنه يلزم عليه أن يكون أخبر بأنه يرثه فيلزم الخلف وهو ممتنع فى هذا المحل، وأجيب عن هذا بأنه لا يلزم الخلف، بل يلزم عدم ترتب الغرض، فإن التقدير: أطلبه ليرثنى، وفيه نظر، وإنما الصواب أن المراد إرث العلم والنبوة، كما ذكره المفسرون والسلف. وقد وقع ذلك واستجيبت دعوته وحصل له مقصوده بتمامه قبل موت يحيى - عليهما الصلاة والسّلام -.

[العرض مولد عن الاستفهام]

ص: (وأما العرض إلى آخره).

(ش): العرض كقولك: ألا تنزل تصب خيرا، تقدم أنه مولد عن الاستفهام؛ فلذلك يجزم الفعل فى جوابه، كما يجزم الاستفهام. وإنما لم يقل: إنه استفهام؛ لأنه لا


(١) طلب الشئ بلا حث ولا تأكيد.
(٢) سورة الجاثية: ١٤.
(٣) سورة إبراهيم: ٣١.
(٤) سورة مريم: ٥، ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>