للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله [من الطويل]:

فإنّك كالّليل الذى هو مدركى ... وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع

ــ

فإنّك كالليل الّذى هو مدركى ... وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع (١)

(قلت): فى المثالين نظر؛ لأن الآية الكريمة إن كان الاستثناء فيها مفرغا، ففيه إيجاز القصر. وإن كان غير مفرغ، ففيه إيجاز قصر بالاستثناء، وإيجاز حذف بحذف المستثنى منه، فإن تقديره بأحد. وقال الخطيبى: هنا الاستثناء فيه مفرغ، فالمستثنى منه محذوف. وهو غلط؛ فإن الحذف لا يكون مع التفريغ. وأورد أيضا أن فيها إيجازا فإنها حاثة على كف الأذى عن جميع الناس يحذره عن جميع ما يؤدى إلى الأذى، وبأن فيها إيجاز تقدير؛ لأن الأصل يضر بصاحبه مضرة بليغة، فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعية الواقعة على سبيل التمثيلية؛ لأن" يحيق" بمعنى يحيط، فلا يستعمل إلا فى الأجسام بالنظر إلى الكلام السابق فيه إطناب؛ لأنه تذييل، لقوله تعالى: وَمَكْرَ السَّيِّئِ وأما البيت ففيه إيجاز، لحذف جواب الشرط، وإن كانت الكاف حرفا، ففيه إيجاز آخر بحذف خبر إن على القول الصحيح، خلافا لمن ذهب إلى أن الجار والمجرور نفسه هو الخبر، وخلافا لمن ذهب إلى أن القول بذلك فيما إذا كان الجار الكاف دون غيره. وفيه الإطناب بذكر دليل الجواب، فإنه زائد على مدلول الكلام فإن الأصل الإتيان بالشرط وجوابه، إلا أن يقال: النظر للملفوظ به ولا زيادة فيه، والأول أظهر كما سيأتى.

كل ذلك تفريع على أن الجواب لا يتقدم على الشرط، كما هو مذهب البصريين.

ومن المساواة على ما يقتضيه كلام المصنف:

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطىّ الأباطح (٢)


(١) البيت من الطويل، وهو للنابغة فى ديوانه (ص ٥٦ / الكتب العلمية)، ولسان العرب (طور)، (نأى)، وكتاب العين (٨/ ٣٩٣) وتاج العروس (نأى)، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة ٥/ ٣٧٨، ومجمل اللغة ٤/ ٣٦٨.
(٢) البيت من الطويل، وهو لكثير عزة فى ملحق ديوانه ص ٥٢٥، وزهر الآداب ص ٣٤٩، وبلا نسبة فى لسان العرب (طرف)، وأساس البلاغة (سيل)، وتاج العروس (طرف)، ومعجم البلدان (منى) وأسرار البلاغة (ص ١٥ / رشيد رضا)، ودلائل الإعجاز (٧٤، ٧٥، ٢٩٤، ٢٩٦ / شاكر).

<<  <  ج: ص:  >  >>