للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حين حدّ الوضع بأنه: تعيين اللفظ بإزاء معان بنفسها؛ فقال:" إن المشترك كالقرء معناه الحقيقى ما لا يتجاوز معنييه كالطهر، والحيض، غير مجموع بينهما، قال: فهذا ما يدل عليه بنفسه، ما دام منتسبا إلى الوضعين، أما إذا خصصته بواحد إما صريحا كقولك:" القرء بمعنى الطهر" وإما استلزاما، كقولك:" القرء لا بمعنى الحيض" فإنه حينئذ ينتصب دليلا دالا بنفسه على الطهر بالتعيين، كما كان الواضع عينيه بإزائه بنفسه، ثم قال: وأما ما يظن بالمشترك من الاحتياج إلى القرينة فى دلالته على ما هو معناه، فقد عرفت أن منشأ هذا الظن عدم تحصيل معنى المشترك الدائر بين الوضعين.

واعترض المصنف عليه بأنا لا نسلم أن معناه الحقيقى ذلك، وبأن قوله إذا قلنا: القرء بمعنى الطهر، أو لا بمعنى الحيض، فهو دال بنفسه على الطهر بالتعيين سهو ظاهر، فإن القرينة كما تكون معنوية تكون لفظية، وكل من قوله:" بمعنى الطهر وقوله:" لا بمعنى الحيض" قرينة. (قلت): أصل السؤال إنما يتوجه إذا وقع الاشتراك من واضع واحد، أما من واضعين لا يشعر أحدهما بالآخر فلا. وقول السكاكى:" معنى المشترك ما لا يتجاوز معنييه" معناه أنه عند الإطلاق صالح لكل منهما، فهو عند الإطلاق يدل بنفسه على معناه الذى هو أحدهما، وذلك ربما كان مقصودا لقصد الإبهام. وقد صرح بذلك ابن الحاجب فى الأمالى، وإن كان كلامه فى المختصر يوهم خلافه، حيث

قال:

أورد المشترك فإن أجيب بأنه يتبادر غير معين لزم أن يكون المعين مجازا. وقوله: أما إذا خصصته بواحد صريحا، كقولك: القرء بمعنى الطهر. فإنه دال بنفسه بالتعيين، كما كان الواضع عينه. فيه نظر؛ فإن القرء فى هذا التركيب ليس مشتركا، فإنك ذكرت كلمة القرء، وشرحت معناها بقولك:" الطهر" إن أردت بالقرء الذى ذكرته الطهر، فليس فيه استعمال القرء بمعنى الطهر، بل هو إخبار عن المجهول بالمعلوم، كما إذا قلت:" الإنسان ناطق" ليس مدلوله الناطق ناطق وإلا لاتحدا بل إن مدلول الإنسان هو الناطق. وأما اعتراض المصنف عليه بأنا لا نسلم أن معناه الحقيقى ذلك، فإن أراد أنا لا نسلم أنه وضع ليفيد الإبهام بين المعنيين عند الإطلاق، فهو موافق لكلام ابن الحاجب فى المختصر. والحق خلافه؛ لأن المشترك يتبادر الذهن منه إلى أحد المعنيين، ولا يلزم ما ذكره من كونه للمعين مجازا؛ لأنه دائر بين معنييه بقيد التعيين للمبهم كما حققناه فى شرح المختصر، فالقرينة إنما يحتاج إليها لتعيين أحد المعنيين

<<  <  ج: ص:  >  >>