للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبّه المنيّة بالسبع فى اغتيال النفوس بالقهر والغلبة، من غير تفرقة بين نفّاع وضرّار، فأثبت لها الأظفار التى لا

يحمل ذلك فيه بدونها، وكما فى قول الآخر:

ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا ... فلسان حالى بالشّكاية أنطق

شبّه الحال بإنسان متكلّم فى الدّلالة على المقصود؛ فأثبت لها اللسان الذى به قوامها فيه.

ــ

وتجلّدى للشّامتين أريهم ... أنّى لريب الدّهر لا أتضعضع

حتّى كأنّى للحوادث مروة ... بصفا المشرّق كل يوم تقرع

والنّفس راغبة إذا رغّبتها ... وإذا تردّ إلى قليل تقنع (١)

فشبه المنية بالسبع فى اغتيال النفوس بالقهر والغلبة، من غير تفرقة بين نفاع وضرار، فإن المنية لا توقر أحدا، ويستوى فيها مستحق النفع والضر، كما أن السبع لا يعرف حقيرا ولا عظيما، بل يغتال من وجده، فأثبت للمنية الأظفار التى لا يكمل ذلك أى، الاغتيال فى السبع بدونها تحقيقا للمبالغة فى التشبيه، وليس للمنية شئ موجود حسا أو عقلا، يكون مشبها بالأظفار، بل هو أمر موجود فى المنية على سبيل التوهم؛ فلذلك سميت تخييلية، وقد قسم المصنف فى الإيضاح الاستعارة بالكناية إلى قسمين:

أحدهما: ما كان الأمر المذكور معها المختص به" المشبه به" أمرا لا يكمل وجه الشبه فى المشبه به بدونه، وهذا البيت مثال لهذا القسم على ما قال المصنف هنا، وسيأتى منه ما يقتضى خلافه، والقسم الثانى: ما يكون اللازم المذكور معه به قوام وجه الشبه فى المشبه به، ولما كان الوجهان متقاربين، لم يصرح بهذا القسم فى التلخيص، بل اقتصر على المثالين، وأشار إلى الثانى بقوله: وكما فى قول الآخر:

ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا ... فلسان حالى بالشّكاية أنطق (٢)

فإنه شبه الحالة الدالة على المقصود بإنسان متكلم فى الدلالة على المقصود، فأثبت لها اللسان الذى به قوام الدلالة فى الإنسان، وقد أورد على المصنف أنه وقع فيما رمى به السكاكى فى أول الكتاب، حيث قال: هناك أنه لو صح ما ذكره السكاكى من أن


(١) القصيدة من الكامل، فى شرح أشعار الهذليين/ ٨.
(٢) التلخيص بتحقيقى ص: ٧٩، والبيت لمحمد بن عبد الله العتبى، وقيل: لأبى النضر بن عبد الجبار، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص: ٢٢٨، والتبيان بتحقيقى ص: ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>