للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والكناية" وتقرير مذهب الشافعى رحمه الله فى هذه المسألة قررناه فى شرح مختصر ابن الحاجب، وكان المصنف مستغنيا عن التكلف لهذا الفرق بأن يفرق بأن المجاز مستعمل فى غير موضوعه، بخلاف الحقيقة فقد قررنا فيما سبق أن الكناية حقيقة خلافا للمصنف فى زعمه أنها خارجة عن الحقيقة والمجاز. قوله: (وفرق) إشارة إلى فرق بينهما ذكره السكاكى، وغيره، وهو أن مبنى الكناية على الانتقال من اللازم إلى الملزوم، ومبنى المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم. قال: وفيه نظر؛ لأن اللازم ما لم يكن ملزوما يمتنع أن ينتقل منه إلى الملزوم، لأن اللازم إذا لم يكن ملزوما لملزوم كان أعم منه ولا بد أن يكون أخص فى اللزوم الكلى، وإلا للزم وجود الملزوم من حيث هو ملزوم بدون اللازم، وإذا كان أعم منه فالأعم لا يستلزم الأخص، وإذا لم يستلزمه امتنع فهمه منه فيمتنع انتقال الذهن إليه. قال فى الإيضاح:" ولو قيل: اللزوم من الطرفين من خواص الكناية دون المجاز، أو شرط لها دونه اندفع هذا الاعتراض، لكن اتجه منع الاختصاص والاشتراط" (١) وأجاب الخطيبى بأن الأعم وإن لم يستلزم الأخص، لكن لا يمتنع انتقال الذهن إليه بقرينة. قلت:

لا شك أن المصنف يريد بقوله:" اللازم ما لم يكن ملزوما ما لم يكن لازما مساويا"، وحينئذ لا يتجه السؤال من أصله، لأنا نقول: إنما كلامنا فى اللازم والمساوى، وقد أوضحت هذا فيما سبق، ولا يلزم من كونه لازما مساويا أن يكون ملزوما؛ لأنا نريد باللازم فى هذا الباب ما كان معروضا لغيره، فقد ثبت أن الكناية ينتقل فيها من اللازم إلى الملزوم، والمجاز ينتقل فيه من الملزوم إلى اللازم، وقد قدمنا فى أول هذا العلم تفصيلا فى هذا الانتقال، أنه

يصح فى كل من الكناية والمجاز أن يقال: حصل الانتقال من اللازم إلى الملزوم وعكسه باعتبارين مختلفين. فليراجع ذلك منه، وحاصله أن المصنف والسكاكى لا خلاف بينهما إلا فى التسمية، فإنهما متفقان على أن ذهن السامع لقولنا:" كثير الرماد" ينتقل ذهنه من كثرة الرماد إلى الكرم، غير أن السكاكى يسمى كثرة الرماد لازما، وهو الحق؛ لأن اللازم إن كان مشاركا فهو الغرض القائم، والملزوم عكسه، ويكفى إطباق أهل العلم على قولهم:" لازم مساو ولا يقولون:" ملزوم الكناية" والمصنف لما تقرر عنده أن اللازم لا ينتقل الذهن فيه إلى الملزوم سماه ملزوما، وجعل الذهن ينتقل منه.


(١) الإيضاح بتحقيقى ص: ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>