للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان بواسطة: فبعيدة؛ كقولهم: كثير الرماد كناية عن المضياف؛ فإنه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور، ومنها إلى كثرة الطبائخ، ومنها إلى كثرة الأكلة، ومنها إلى كثرة الضّيفان، ومنها إلى المقصود.

ــ

أما عظم الرأس ما لم يفرط، فإنه دليل على علو الهمة، وقد جاء فى وصف هند بن أبى هالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم" أنه كان عظيم الهامة" (١) وأما البعيدة فهى ما كان انتقال الذهن منها إلى المكنى عنه بواسطة، كقولهم:" كثير الرماد" كناية عن المضياف، فإنه ينتقل الذهن من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور، ثم ينتقل منها إلى كثرة الطبائخ، ثم ينتقل منها إلى كثرة الأكلة، ثم من كثرة الأكلة إلى كثرة الضيفان، ثم من كثرة الضيفان إلى المقصود، كذا قال المصنف. والسكاكى قال: ينتقل من كثرة الرماد لكثرة الجمر، ومن كثرة الجمر لكثرة إحراق الحطب، وينبغى أن يجعل المكنى عنه هنا كونه كريما لا كونه مضيافا، وإلا فقوله:" من كثرة الضيفان إلى المقصود" إذا جعلنا المقصود فيه كونه مضيافا، فذلك يحصل بكثرة الضيفان، فهو صريح فيه لا مكنى به عنه، ومثل - أيضا - البعيدة بقوله عن الأبله:" عريض الوسادة" فإنه ينتقل من عرض الوسادة إلى عرض القفا، ومنه إلى المقصود من البله، وجعله السكاكى من القريبة على أنه كناية عن عرض القفا، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم لعدى بن أبى حاتم" إن كان وسادك لعريضا" (٢) وذلك حين نزلت: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ (٣) فعمد إلى خيطين: أبيض، وأسود فصار ينظر إليهما. قال المصنف: وفيه نظر، ووجه النظر أنه لو كان كناية عن عرض القفا لكان هو المقصود فلا يكون كناية عن البله، والغرض خلافه، والحق أنه يصح أن يكون مثالا لهما، فإن قصد الكناية عن البله فهو مثال للبعيدة، أو الكناية عن عرض القفا فهو كناية قريبة، ومن البعيدة قوله:

وما يك فىّ من عيب فإنّى ... جبان الكلب مهزول الفصيل (٤)


(١) " صحيح" أخرجه أحمد فى" المسند"، (١/ ١١٦)، ولكن من حديث على بن أبى طالب، وقال العلامة أحمد شاكر (ح ٩٤٤):" إسناده صحيح".
(٢) أخرجه البخارى فى" التفسير" (٨/ ٣١)، (ح ٩ - ٤٥)، ومسلم (١٠٩٠).
(٣) سورة البقرة: ١٨٧.
(٤) لم يرد البيت منسوبا، الصناعتين ص ٣٦١، مفتاح العلوم ص ٤٠٥، الطراز ج ١ ص ٤٢٢، الإيضاح ص ٢٨٨، الحماسة شرح التبريزى ج ٤ ص ٩٣، الحيوان ج ١ ص ٣٨٤، نهاية الإيجاز ص ٢٧١، دلائل الإعجاز ٣٠٧، الإشارات ص ٢٤١، المصباح ص ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>