للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات؛ فترك التصريح بأن يقول:

إنه مختصّ بها، أو نحوه خ خ، إلى الكناية، بأن جعلها فى قبة مضروبة عليه. ونحو قولهم: المجد بين ثوبيه، والكرم بين برديه خ خ.

ــ

فإنه أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات فترك التصريح بذلك، والتصريح به أن يقول:" هو مختص بها" أى ثابتة له دون غيره إلى أن جعلها فى قبة مضروبة عليه، فأخبر باختصاص القبة المضروبة عليه بالسماحة ليفهم منه اختصاصه بالسماحة، لأنه إذا اختص بالسماحة لزم أن تختص قبته، وهو قريب من المجاز الإسنادى، ولك أن تقول: كل كناية عن وصف كناية عن نسبة، لأنك إذا قلت:" طويل النجاد" فمعناه: طال نجاده فأثبت الطول لنجاده، وإنما تريد إثباته لنفسه، واعلم أن قول المصنّف:" اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات" هو الصواب وهو عكس عبارة السكاكى، حيث سماه اختصاص الصفة بالموصوف وتبعه الطيبى والصواب الأول، فإن المقصود أن السماحة ليست لغير ابن الحشرج، لا أنه ليس لغيرها. قال الطيبى: وبقى قسم عكس هذا لم يذكره السكاكى، وهو اختصاص الموصوف بالصفة أى لم يتجاوز الموصوف حقيقة هذا النوع إلى وصف آخر كقوله:

أضحت يمينك من جود مصوّرة ... لا بل يمينك عنها صورة الجود (١)

كذا قال، وهو على العكس، وإنما انعكس عليه فى الأول فانعكس فى الثانى، والصواب أن يسمى كلا من القسمين باسم الآخر، ونحو قول الشاعر المذكور قولهم:

" المجد بين ثوبيه والكرم بين برديه" أى لا يتجاوزهما. قيل: وفى المثال نظر؛ لأنه لا يقال:" كرم برده" كما يقال:" طال نجاده"، ليفهم منه كرم نفسه كما يفهم طول قامته، إذ لا تحقق لكرم البرد ولا مناسبة بينه وبين كرم النفس، كما أن لطول النجاد تحققا وله مناسبة، ولزوم لطول القامة، والمصنف أطلق هذا القسم، والسكاكى قسمه إلى قسمين.

كما فعل فيما سبق، إلا أنه سماهما فيما سبق قريبا، وبعيدا، وهنا سماهما لطيفا وألطف.

قيل:" وبقيت كناية استنبطها الزمخشرى، وهى أن يعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر، فيأخذ الخلاصة منها من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة أو المجاز (٢)، وهذا فى الحقيقة من نوع الإيماء. قلت: وينبغى أن يكون من الاستعارة بالتمثيل، كما


(١) عقود الجمان ج ٢ ص ٦٢.
(٢) قلت: هذه الكناية قد سمّاها الطيبى بالكناية الزّبدية. انظر التبيان بتحقيقى ١/ ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>