للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه: ما يقرب من التخلّص؛ كقولك بعد حمد الله: أمّا بعد قيل: وهو فصل الخطاب، وكقوله تعالى: هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (١) أى: الأمر هذا، أو هذا كما ذكر. وقوله: هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٢) ومنه قول الكاتب: (هذا باب).

وثالثها: الانتهاء؛ كقوله (أبى نواس) [من الطويل]:

وإنّى جدير إذ بلغتك بالمنى ... وأنت بما أمّلت منك جدير

فإن تولنى منك الجميل فأهله ... وإلّا فإنّى عاذر وشكور

ــ

فإنه تخلص من غير مناسبة، وقد أورد عليه أن أبا تمام ليس من المخضرمين، بل كان فى زمن المعتصم، من الدولة العباسية، ولعل المصنف لم يرد أنه مخضرم، بل قصد تمثيل التخلص بلا مناسبة (ومن الاقتضاب ما يقرب من التخلص) بأن يكون فيه مناسبة غير تامة (كقولك بعد حمد الله: أما بعد) فإن فيه مناسبة ما، وقيل: هو فصل الخطاب، وقد سبق الكلام على ذلك فى شرح خطبة هذا الكتاب، ومما يقرب من التخلص نحو قوله تعالى: هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ، أى الأمر هذا، أو هذا كما ذكر، فإن قوله:

وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ الآية بيان لحال العصاة، والذى قبله، وهو قوله تعالى: قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٣) تبيين لحال المتقين، فتوسط" هذا" بينه وبين ما بعده، ومثاله - أيضا - قوله تعالى: هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ فإنه انتقل من ذكر الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - إلى بيان ما أعد لهم من النعيم، بتوسط" هذا ذكر" وناسب ما قبله لما بعده، ومما يقرب من التخلص - أيضا - قول الكاتب إذا فرغ من باب وأراد الشروع فى آخر:" هذا باب" أى هذا الذى مضى باب، فتوسطه فيه مناسبة ما.

(وثالثها: الانتهاء) أى المقطع، ويطلب تحسينه، لأنه آخر ما يعيه السمع، ويرتسم فى الذهن. قال: فإذا كان مختارا جبر ما عساه وقع قبله من تقصير، وإن كان غير مختار فبالعكس، وربما أنسى حسن ما قبله، ومثال قوله:

وإنى جدير إذ بلغتك بالمنى ... وأنت بما أملت منك جدير

فإن تولنى منك الجميل فأهله ... وإلا فإنى عاذر وشكور (٤)


(١) سورة ص: ٥٥.
(٢) سورة ص: ٤٩.
(٣) سورة ص: ٢٥، ٥٣.
(٤) البيت لأبى نواس، انظر شرح عقود الجمان (٢/ ١٩٤)، والإشارات والتنبيهات ص ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>