للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسائله: «أما بعد، فاستوص بمن في سجونك وأرضك حتى لا تصيبهم ضيعة، وأقم لهم ما يصلحهم من الطعام والإدام (١)».

وما زلنا نجد نفحات طيّبة من ذلك الأصل الزكي، فأحمد بن طولون كان يجري على المسجونين (٥٠٠) دينار في كلّ شهر (٢).

وقد بلغت الحكومة الإسلامية منزلة لا تحلم بها اليوم أمّة من الأمم، وهي ليست رعاية المسجونين، بل رعاية التّوابين، فمن قضى مدّة سجنه، أو نال جزاء ما اقترفت يداه من إقامة حدّ، أو تنفيذ تعزير، ومن ثمّ صلح أمره، وغدا على الصراط المستقيم حاله، لا يدعه المجتمع غريبا وحيدا منبوذا، بل يعيده إلى صفوفه، ويرعاه حقّ رعايته، متمثلا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون (٣)» فكان يجري عليه راتبا شهريا (٤)، تأكيدا على وقوف المجتمع مع الفضيلة، ومنعا من انحرافه تحت وطأة العوز والفقر.

هذه هي وظيفة السجن الحقيقية: العقوبة دون تعدّ، والإصلاح والتقويم دون إفراط ولا تفريط، فلا غرابة أن يكون أوّل من بنى السّجون في الإسلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وما زال السجن قائما بين أمرين، فإما أن يكون شعلة نور يهتدي بهديها المجتمع فيصحّح سلوك أبنائه، ويرشد الشّداة إلى الصراط المستقيم، وبين


(١) طبقات ابن سعد ٥/ ٣٧٧.
(٢) التاريخ لابن خلدون ٤/ ٣٠٥.
(٣) أخرجه الترمذي (٢٥٠١) في صفة القيامة، باب المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه. وابن ماجه (٤٢٥١) في الزهد، باب ذكر التوبة. والدارمي ٢/ ٣٠٣ في الرقاق، باب في التوبة.
(٤) مروج الذهب ٥/ ١٥٤ (٣٢٩٥).

<<  <   >  >>