للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

«يا» فقول فاسد، بل الألف واللام هنا لتعريف الحضرة، كالتعريف فى قولك:

جاء هذا الرجل، ولكنها لمّا دخلت على اسم المخاطب صار الحكم للخطاب، من حيث كان قولنا: يا أيّها الرجل، معناه: يا رجل، ولما كان الرجل هو المخاطب فى المعنى، غلب حكم الخطاب، فاكتفى باثنين؛ لأنّ أسماء الخطاب/لا تفتقر فى تعرّفها إلى حضور ثالث، ألا ترى أنّ قولك: خرجت يا هذا، وانطلقت، ولقيتك، وأكرمتك، لا حاجة به إلى ثالث، وليس كلّ وجوه التعريف تقتضى أن تكون بين اثنين فى ثالث، ألا ترى أنّ ضمائر المتكلّمين نحو: أنا خرجت، ونحن ننطلق، لا يوجب تعريفها حضور ثالث.

فقد وضح لك بهذا أنّ قوله: «التعريف لا يكون إلاّ بين اثنين فى ثالث»، كلام ظاهر الفساد؛ لأنه أطلق هذا اللفظ على جميع التّعاريف.

فتأمّل سدّدك الله هذه الفطرة (١) التى عمى عنها هذا الغبىّ، وعمّا صدّرت به، حتى خطّأ بجهله الأئمة المبرّزين فى علم العربيّة، المتقدّمين منهم والمتأخّرين.

ومن شواهد إعراب الرجل، فى قولنا: يا أيّها الرجل، نعته بالمضاف المرفوع، فى قولك: يا أيّها الرجل ذو المال، وعلى ذلك أنشدوا:

يا أيّها الجاهل ذو التّنزّى (٢)

فهذا دليل على إعراب «الرجل» قاطع، لأنّ الصفة المضافة فى باب النداء لا يجوز حملها على لفظ المبنيّ، ولا تكون إلاّ منصوبة أبدا، كقولك: يا زيد ذا المال.

وقد عارضته بهذا الدليل الجليّ، الذى تناصرت به الروايات، عن النّحوىّ


(١) فى د، والأشباه والنظائر: الفقرة.
(٢) لرؤبة، فى ديوانه ص ٦٣، والكتاب ٢/ ١٩٢، والمقتضب ٤/ ٢١٨، وحواشى الأشباه والنظائر. وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الثالث والسبعين. والتنزّي: نزوع الإنسان إلى الشرّ، وهو أيضا: التوثّب.