للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغير الزجّاج قال: التقدير: يقول لمن ضرّه أقرب/من نفعه إلهه (١). قال الزجّاج: ومثل «يدعو» (٢) قول عنترة:

يدعون عنتر والرّماح كأنّها ... أشطان بئر فى لبان الأدهم (٣)

أى يقولون: يا عنتر.

وهذا القول فى تقدير الزجّاج فاسد المعنى، وإنما كان يصحّ لو كانت اللام لام الجرّ، فقيل: يقول لمن ضرّه أقرب من نفعه: هو مولاى، وفى التقدير الآخر يصحّ لو كان تقدير يدعو يزعم، وهذا غير معروف، وذلك أن الزّعم يتعدّى إلى مفعولين، ويجوز تعليقه عنهما باللام المفتوحة، كقولك: زعمت لزيد منطلق.

والمعنى فى تقدير الزجاج بعيد من الصواب؛ لأن المعنى فى تقديره: يقول عابد الوثن: من ضرّه أقرب من نفعه هو مولاى، لا فرق فى المعنى بين إدخال اللام وإسقاطها، وكيف يقرّ عابد الوثن أن ضرّ الوثن أقرب إليه من نفعه، وهو يعبده ويزعم أنه مولاه؟ ولم يكن عبّاد الأوثان يزعمون أن عبادتها تضرّهم، بل كانوا يقولون: إنها تقرّبهم إلى الله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ} (٤) أى يقولون: ما نعبدهم.

واختار الزجّاج وجها رابعا، وزعم أنه أسدّ (٥) من كلّ ما قيل فيها وأبين، وأنه ممّا أغفله المفسّرون، وهو أنه جعل {ذلِكَ} من قوله: {ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} اسما ناقصا بمعنى الذى، وصلته قوله: {هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} وموضعه


(١) وهو ما فى كتاب الأخفش، كما سبق.
(٢) يريد: ومثل يدعو بمعنى يقول. وعبارة الزجاج: ومثله يدعو فى معنى يقول فى قول عنترة.
(٣) فرغت منه فى المجلس الخامس والخمسين.
(٤) الآية الثالثة من سورة الزمر.
(٥) فى النسختين: «أشدّ» بالشين المعجمة، وحقّه أن يكون بالسين المهملة كما ترى. ولم يأت هذا اللفظ عند الزجاج، وإنما ذكر فقط أن هذا الوجه ممّا أغفله الناس.