للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روى عنه ابن الشجرى حكاية طريفة، تدل على فضله، ونبالته، قال (١): «روى عن أبى الحسن بن كيسان أنه قال: حضرت مجلس إسماعيل القاضى، وحضر أبو العباس المبرد، فقال لى أبو العباس: ما معنى قول سيبويه:

«هذا باب ما يعمل فيه ما قبله وما بعده»! قال: فقلت: هذا باب ذكر فيه سيبويه مسائل مجموعة، منها ما يعمل فيه ما قبله، نحو قولهم: أنت الرجل دينا، نصبوه على الحال، أى أنت الرجل المستحقّ الرجولية فى حال دين، ومنها ما يعمل فيه ما بعده، نحو قولهم: أما زيدا فأنا ضارب، فالعامل فى «زيد» هاهنا «ضارب»، لأن «أما» لا تعمل فى صريح المفعول، ولم يرد سيبويه بقوله هذا أن شيئا واحدا يعمل فيه ما قبله وما بعده، هذا لا يكون. فقال لى أبو العباس: هذا لا يوصل إليه إلا بعد فكر طويل، ولا يفهمه إلا من أتعب نفسه. فقلت له: منك سمعت هذا، وأنت فسّرته لى، فقال: إنى من كثرة فضولى فى جهد.

الزّجّاج-إبراهيم بن السّرىّ

(٣١١ هـ‍)

حكى عنه ابن الشجرى كثيرا من آرائه (٢)، وبخاصة فى إعراب القرآن الكريم، وكتاب الزجاج فيه من الأصول التى اعتمد عليها المعربون واللغويون والمفسّرون. ثمّ رأيت ابن الشجرى يورد كلامه من غير تصريح بنسبته إليه، جاء ذلك فى تفسير قوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ} (٣).

وقد رجح ابن الشجرى رأى الزّجّاج على رأى أبى على الفارسىّ، فى إعراب {هَنِيئاً} من قوله تعالى: {كُلُوا وَاِشْرَبُوا هَنِيئاً}، فأبو على يرى أن {هَنِيئاً} حال وقعت موقع الفعل، بدلا من اللفظ به، كما وقع المصدر فى قولهم: سقيا له ورعيا، بدلا من اللفظ بسقاه الله ورعاه الله، والزجاج يذهب إلى أن {هَنِيئاً} وقع وهو صفة فى موضع المصدر.


(١) المجلس الثامن والسبعون.
(٢) راجع المجالس: الثامن والتاسع، والثانى والعشرين، والتاسع والستين.
(٣) المجلس الرابع والثلاثون، ويقارن ما أورده ابن الشجرى بما فى معانى القرآن للزجاج ١/ ٢٦٩. وانظر أيضا المجلس الحادى والستين.

<<  <  ج: ص:  >  >>