للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: {وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا} أى نكسهم؛ والمعنى ردّهم فى حكم الكفر، قال الكسائىّ: يقال: أركسه وركسه.

وتقول: زيد فى الدار قائما وقائم، فالظرف فى النصب يتعلّق بالاستقرار، وفى الرفع يتعلّق بقائم، وإن لم يكن الظرف تامّا (١) لم يجز فيما بعد المبتدأ إلاّ الرفع تقول: زيد فيك راغب، وأخوك منك متعجّب؛ لأن الكلام لا يتمّ بقولك: زيد فيك، ولا بقولك: أخوك من زيد، وتقول: إنّ القوم فى الدار مقيمين ومقيمون، على ما قدّمناه من نصبك «مقيمين» بالاستقرار، ورفعك له بأنه الخبر، فمثال النصب فى التنزيل {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَعِيمٍ. فاكِهِينَ} (٢) ومثال الرفع: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ} (٣) وتقول: أقبل رجل راكب وراكبا، والنصب ضعيف، وإنما قوي الرفع؛ لأنهما نكرتان، فوصف النكرة بالنكرة أولى من مخالفتها لها فى إعرابها، وجاز نصبها على الحال؛ لأن الكلام قد تمّ بالنكرة، كما يتمّ بالمعرفة لو قلت: أقبل زيد، وعلى هذا جاء {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْراً مِنْ عِنْدِنا} (٤) فقوله: {أَمْراً} حال (٥) من {كُلُّ أَمْرٍ} والأمران مختلفان فى المعنى، فالأول واحد الأمور، والثانى نقيض النهي، فالتقدير: مأمورا به من عندنا.

/وأقول: إنما حسن مجىء الحال من النكرة فى الآية؛ لأن قوله: {كُلُّ أَمْرٍ} معناه كلّ الأمور، كما تقول: جاءنى كلّ رجل فى الدار، والمعنى: كلّ الرجال الذين فى الدار، فلمّا تضمّن هذا المعنى كان حكمه حكم المعرفة.


(١) الظرف التام: هو الجارّ والمجرور الذى يتم به الكلام حين يتعلق بالاستقرار، كما مثّل. وسيأتى مرّة أخرى فى المجلس الحادى والثمانين. وانظر المقتضب ٤/ ٣٠٢، وحواشيه.
(٢) سورة الطور ١٧،١٨.
(٣) سورة الزخرف ٧٤.
(٤) سورة الدخان ٤،٥.
(٥) راجع ما تقدّم فى المجلس السابق.