للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتسمّى هذه الفاء معلّقة، كأنها تعلّق الفعل المؤخّر بالاسم المقدّم، وكأنها هنا شبيهة بالزائد، ويدلّ على أن العامل هو هذا الفعل قولك: بزيد فامرر، لو لم تكن معلّقة بامرر هذا لم يجز؛ لأنه لا بدّ للباء من شيء تتعلّق به، ولو علّقتها بفعل آخر لاحتجت لهذا الفعل إلى باء أخرى (١). انتهى كلامه.

وأقول: إنها زائدة لا محالة فى قوله تعالى: {وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (٢)؛ لأنك إن لم تحكم بزيادتها أدّى ذلك إلى دخول الواو العاطفة عليها وهى عاطفة، وكذلك «ثمّ» زائدة فى قول زهير (٣):

أرانى إذا ما بتّ بتّ على هوى ... فثمّ إذا أصبحت أصبحت غاديا

قال الفراء: ألم نشرح (٤) صدرك: ألم نليّن قلبك، {وَوَضَعْنا عَنْكَ}


(١) البصريات ص ٦٦٦، مع اختلاف يسير، ولعله نقله من كتاب آخر لأبى علىّ.
(٢) سورة المدثر ٤،٥. وراجع ما ذكرته فى الدراسة ص ٦٧، وكتاب الشعر ص ٢٨٠،٣٢٦.
(٣) ديوانه بشرح ثعلب ص ٢٨٥، وسرّ صناعة الإعراب ص ٢٦٤،٣٨٦، وشرح الكافية الشافعية ص ١٢٥٨، وشواهد التوضيح ص ٢٥١، وشرح المفصل ٨/ ٩٦، والمغنى ص ١١٧، وشرح أبياته ٣/ ٣٦، والخزانة ٨/ ٤٩١. والرواية فى الديوان بشرح الأعلم الشنتمرى ص ١٦٨: أرانى إذا ما بتّ بتّ على هوى وأنّى إذا أصبحت أصبحت غاديا ولا شاهد فى البيت على هذه الرواية. و «أرانى» هنا بضم الهمزة، وهى من أفعال القلوب. وقوله: «بتّ على هوى» قال ثعلب: «على أمر أريده، فإذا أصبحت جاء أمر غير ما بتّ عليه، من موت وغير ذلك، يريد أن حاجتى لا تنقضى». وقال الأعلم: «أى لى حاجة لا تنقضى أبدا؛ لأن الإنسان ما دام حيّا فلا بدّ من أن يهوى شيئا ويحتاج إليه». وقوله «غاديا» أى إلى حفرة، يريد أن الموت سبيل كلّ نفس. ويقال: غدا إلى كذا بمعنى صار إليه. وحكى السيوطىّ عن السّيرافىّ، قال: الأجود فثمّ، بفتح الثاء؛ لكراهة دخول عاطف على عاطف. شرح شواهد المغنى ص ٢٨٤. وثمّ: ظرف، أى ففى ذلك المكان.
(٤) هكذا فى نسخ الأمالى الثلاث. والذى فى معانى القرآن ٣/ ٢٧٥: ألم نشرح لك صدرك: نليّن لك قلبك.