للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النحويين ولم يسمّه، قال: إن الذى قيل له هذا الكلام كان له صديق عوّده أن يبرّه ويحسن إليه، وأنه ذكر صنيعه به، فقال له السامع: ما أغفله عنك شيئا، قال:

فالكلام يتم عند قوله: «عنك»، وقوله: «شيئا» من كلام مستأنف، كأنه قال:

فكر شيئا، أى تفكيرا قليلا، أى إنه قد انتقل عن الحال التى كنت تجده عليها، فكأن الرجل المثنى على الصديق شكّ فى أمره، ولم يدر ما أغفله عنه، فقال له من حضر: فكّر شيئا، أى دع الشك، لأنه إذا فكّر وجب أن يصحّ له الأمر. وقال المعرى: إن المراد بقوله: «ما أغفله عنك» التعجب، ويحتمل أن يكون استفهاما، كأنه قال: أى شيء أغفله عنك؟

وقد تعقب ابن الشجرى أبا العلاء فى شرحه لقولهم: «عمرك الله» (١).

وتعقبه أيضا فى شرحه لشعر المتنبى، فقال فى قوله (٢):

وأنك بالأمس كنت محتلما ... شيخ معد وأنت أمردها

وحكى أبو زكريا فى تفسيره لشعر المتنبى، عن أبى العلاء المعرى، أنه قال:

زعم بعض النحويين أن «كان» لا تعمل فى الحال، قال: وإذا أخذ بهذا القول جعل العامل فى «محتلما» من قوله: «وأنك بالأمس كنت محتلما» الفعل المضمر الذى عمل فى قوله: بالأمس.

قال ابن الشجرى: وأقول: إن هذا القول سهو من قائله وحاكيه، لأنك إذا علقت قوله «بالأمس» بمحذوف، فلا بد أن يكون «بالأمس» خبرا لأن، أو لكان، لأن الظرف لا يتعلق بمحذوف إلا أن يكون خبرا أو صفة أو حالا أو صلة، ولا يجوز أن يكون خبرا لأن ولا لكان، لأن ظروف الزمان لا توقع أخبارا للجثث، ولا صفات لها ولا صلات ولا أحوالا منها، وإذا استحال أن يتعلق قوله:

«بالأمس» بمحذوف، علقته بكان، وأعملت «كان» فى «محتلما».


(١) المجلس الثانى والأربعون.
(٢) المجلس التاسع والسبعون. ويعدّ أبو العلاء من شراح المتنبى الكبار، واسم شرحه: معجز أحمد، ويسمى أيضا اللامع العزيزى. وانظر كلاما جيدا حول هذين الكتابين فى (أبو العلاء الناقد الأدبى) للأخ الدكتور السعيد السيّد عبادة ص ١١٢ - ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>