للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: {وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ} أى لا تتجاوزهم عيناك، من قولهم (١): لا تعد هذا الأمر، ولا تتعدّه، أى لا تتجاوزه، ولكنه أوصل إلى المفعول بعن، حملا على المعنى، لأنك إذا جاوزت الشىء وتعدّيته فقد انصرفت عنه، فحمل {لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ} على: لا تنصرف عيناك عنهم، وبهذا اللّفظ فسّره الفرّاء (٢)، ولهذا نظائر فى القرآن، وفى شعر العرب، فمنها تعدية الرّفث بإلى فى قوله تعالى جدّه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ} (٣) وأنت لا تقول: رفثت إلى النّساء، ولكنه جيء به محمولا على الإفضاء الذى يراد به الملامسة فى مثل قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ} (٤) ومنها تعدية الإحماء فى قوله: {يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ} (٥) وهو متعدّ بنفسه فى قولك: أحميت الحديدة، قال (٦) الشاعر (٧):

إن تك جلمود صخر لا أؤيّسه (٨) ... أو قد عليه فأحميه فينصدع

أؤيّسه: أذلّله، وإنما حمل «يحمى» على يوقد، لأن الإيقاد عليها هو السبب


(١) فى هـ‍: قوله.
(٢) معانى القرآن ٢/ ١٤٠.
(٣) سورة البقرة ١٨٧، وراجع تفسير القرطبى ٢/ ٣١٦، فقد أورد معظم ما ذكره ابن الشجرى من حمل الأفعال بعضها على بعض فى التعدّى. وانظر المغنى ص ٧٦٢ (الباب الثامن، القاعدة الثالثة) وهو مبحث التضمين. وانظر التمام فى تفسير شعر هذيل ص ٢٠٥،٢٢٩، وأحال ابن جنى على موضع سابق فى كتابه تحدّث فيه عن التضمين فى الآية الكريمة، ولم أجده فى المطبوع من كتاب التمام، مما يدل على أن مخطوطة الكتاب ناقصة.
(٤) سورة النساء ٢١.
(٥) سورة التوبة ٣٥.
(٦) فى هـ‍: «وقال» بإقحام الواو.
(٧) العباس بن مرداس، كما فى اللسان (بصر-أبس)، وصدر البيت من غير نسبة فى المقاييس ١/ ١٦٤، وقصيدة العباس فى الأغانى ١٨/ ٨٣،٨٤، وليس فيها هذا البيت الشاهد. ونسب إلى خفاف بن ندبة. ديوانه ص ١٣٥، وتخريجه فيه.
(٨) هكذا «أؤيّسه» بالياء التحتية، وكذلك فى المقاييس، مع رواية «يؤيّسه». والذى فى اللسان فى الموضعين: «أؤبّسه» بالباء الموحدة، والفعلان يرجعان إلى معنى واحد، هو التذليل والتأثير فى الشىء.